![]() |
الأخوين لوميير
مخترعي آلة التصوير السينمائي |
سأبدأ الكلام بالاكتشاف الذي توصل اليه رواد السينما في بدايات القرن، الاكتشاف هو قدرة العين على تخزين الصورة لمدة محددة كي يقوم الدماغ بتحليلها و فهمها، و هذه المدة هي 1/19 من الثانية، و بالتالي ان مررت 19 صورة متتالية أمام عين الانسان المجردة خلال ثانية واحدة فستكون له القدرة على رؤية صورة متحركة، هذا هو المفهوم الأساسي الذي تشكلت لغة السينماعلى أساسه.
![]() |
لقطة القطار الشهيرة في بدايات السينما للأخوين لوميير |
و قام بعد ذلك السينمائيون السوفييت (مثل ايزنشتاين و بودوفكين) بالبحث بشكل أكثر عمقا عن الكامن في هذه اللغة، و ارتكزوا الى الديالكتيك الماركسي للوصول لتركيبات أكثر تعقيدا عبر تمرير صور مختلفة في الشريط السينمائي لايصال الفكرة عبر تنوع الصور لخلق معان جديدة تعتمد على المخزون الثقافي و الانساني للعقل، و هو ما نقل السينما الى مستوى اخر يحفر في الوجدان و يستمر عبر التاريخ الانساني.
![]() |
لقطة السلالم الشهيرة من فيلم "المدرعة بوتومكين" للمخرج السوفييتي ايزنشتاين |
![](https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEjXXWf_C-xsCChxi5KC3RTp5G6A7UpSUz8KKb6SqAUcFxdp20KCy4QpXcO2-rgmrWsz2JYL_dX-zSWvqN6id40lAcT9XiegsZ0N6KmBG0cvd5Q59ESdPDSHSnXLx_6T8iyg7h7A/s320/Capitalism1280x800.png)
هم يدركون المهمة جيدا، عليهم تمرير 25 صورة في كل ثانية ليضمنوا استمرار عملية غسيل الأدمغة و توسيعها بأكبر شكل ممكن، و غرقوا في هذه اللعبة كثيرا و نسوا بأن ذاكرة الصورة قصيرة الأمد في نهاية الأمر، و بأن العقل سينسى الصورة السابقة بعد 1/19 جزء من الثانية... و بغض النظر عن العدد الهائل للصور و الأكاذيب التي سيقومون بتمريرها، فإن الحقيقة الراسخة ستبقى مزروعة في الوجدان و ستنتهي كل هذه الصور في مكانها الطبيعي .. مزبلة التاريخ...
![]() |
بوستر فيلم "الرأسمالية .. قصة حب" للمخرج مايكل مور - 2009 |
الجوهر الانساني محفور في الوعي عبر عشرات الالاف من السنين من عمر الانسان على الكوكب.. و بغض النظر عن سباق الصور التي تبثها الامبريالية في كل ثانية، فلا بد من "فرصة" بين الحين و الآخر لتمرير خطاب مختلف، خطاب يلامس الجوهر الانساني للجماهير، و هذا الخطاب أكثر تأثيرا فهو لا يعتمد على ذاكرة قصيرة الأمد، بل يعتمد على حفر في الوجدان لاستنهاض المكنون الانساني للبشر.
و سيكون من المفيد التذكير بالمحاولات الجادة و المستمرة لنشر هذا الخطاب في كل الحقول، من الأدب و الفن و الثقافة و السينما و الفلسفة وصولا لحمل السلاح في مجابهة المشروع الشيطاني للامبريالية. و يمكن ايجاد هذه المحاولات في كل بقع العالم بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، مثل حركة "احتلوا وول ستريت" الشجاعة التي قررت تعليق الجرس و قرعه في اللحظة المناسبة تماما.
![]() |
بوستر فيلم "وول ستريت .. المال لا ينام" للمخرج الراديكالي اوليفر ستون - 2010 |
و لهذا نقول، علينا البحث الدائم عن "الفرص" لتمرير خطاب آخر، و العمل الجاد على توسيع بؤر الوعي و العقل و المعرفة و القيم الانسانية. هي معركة مستمرة لم تنتهي، و بالرغم من ادراكنا بأن المعركة طويلة، إلا أن ذلك يشد من عزيمتنا لا يضعفها، فنحن لا نبحث عن صورة تبقى في الذاكرة لمدة 1/19 جزء من الثانية، بل نبحث عن معرفة تحفر عميقا في الوجدان الانساني. ـ
فراس محادين
29 – كانون الثاني - 2012
No comments:
Post a Comment