Monday, January 30, 2012

لعبة الصورة

 الأخوين لوميير
مخترعي آلة التصوير السينمائي

سأبدأ الكلام بالاكتشاف الذي توصل اليه رواد السينما في بدايات القرن، الاكتشاف هو قدرة العين على تخزين الصورة لمدة محددة كي يقوم الدماغ بتحليلها و فهمها، و هذه المدة هي 1/19 من الثانية، و بالتالي ان مررت 19 صورة متتالية أمام عين الانسان المجردة خلال ثانية واحدة فستكون له القدرة على رؤية صورة متحركة، هذا هو المفهوم الأساسي  الذي تشكلت لغة السينماعلى أساسه






لقطة القطار الشهيرة في بدايات السينما للأخوين لوميير
و قام بعد ذلك السينمائيون السوفييت (مثل ايزنشتاين و بودوفكين) بالبحث بشكل أكثر عمقا عن الكامن في هذه اللغة، و ارتكزوا الى الديالكتيك الماركسي للوصول لتركيبات أكثر تعقيدا عبر تمرير صور مختلفة في الشريط السينمائي لايصال الفكرة عبر تنوع الصور لخلق معان جديدة تعتمد على المخزون الثقافي و الانساني للعقل، و هو ما نقل السينما الى مستوى اخر يحفر في الوجدان و يستمر عبر التاريخ الانساني. 
لقطة السلالم الشهيرة من فيلم "المدرعة بوتومكين" للمخرج السوفييتي ايزنشتاين


و نعود للفكرة الأولى .. للحصول على "صورة متحركة" يجب تمرير 19 صورة في كل ثانية، و هذا يعني بأن ذاكرة "الصورة" بمفهومها المجرد محدودة، هي ليست ذاكرة "لا نهائية" و لهذا تزامن صعود الامبراطورية الامبريالية مع صعود وسائل الاعلام المرئي لتمرير 19 صورة في كل ثانية دوما و طوال الوقت، و زاد عدد هذه الصور ليصل 24 صورة/ثانية، ثم 25 صورة في عصر الديجيتال!!ـ


هم يدركون المهمة جيدا، عليهم تمرير 25 صورة في كل ثانية ليضمنوا استمرار عملية غسيل الأدمغة و توسيعها بأكبر شكل ممكن، و غرقوا في هذه اللعبة كثيرا و نسوا بأن ذاكرة الصورة قصيرة الأمد في نهاية الأمر، و بأن العقل سينسى الصورة السابقة بعد 1/19 جزء من الثانية... و بغض النظر عن العدد الهائل للصور و الأكاذيب التي سيقومون بتمريرها، فإن الحقيقة الراسخة ستبقى مزروعة في الوجدان و ستنتهي كل هذه الصور في مكانها الطبيعي .. مزبلة التاريخ...
بوستر فيلم "الرأسمالية .. قصة حب" للمخرج مايكل مور - 2009


 الجوهر الانساني محفور في الوعي عبر عشرات الالاف من السنين من عمر الانسان على الكوكب.. و بغض النظر عن سباق الصور التي تبثها الامبريالية في كل ثانية، فلا بد من "فرصة" بين الحين و الآخر لتمرير خطاب مختلف، خطاب يلامس الجوهر الانساني للجماهير، و هذا الخطاب أكثر تأثيرا فهو لا يعتمد على ذاكرة قصيرة الأمد، بل يعتمد على حفر في الوجدان لاستنهاض المكنون الانساني للبشر.














بوستر فيلم "وول ستريت .. المال لا ينام" للمخرج الراديكالي اوليفر ستون - 2010  
و سيكون من المفيد التذكير بالمحاولات الجادة و المستمرة لنشر هذا الخطاب في كل الحقول، من الأدب و الفن و الثقافة و السينما و الفلسفة وصولا لحمل السلاح في مجابهة المشروع الشيطاني للامبريالية. و يمكن ايجاد هذه المحاولات في كل بقع العالم بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، مثل حركة "احتلوا وول ستريت" الشجاعة التي قررت تعليق الجرس و قرعه في اللحظة المناسبة تماما. 










و لهذا نقول، علينا البحث الدائم عن "الفرص" لتمرير خطاب آخر، و العمل الجاد على توسيع بؤر الوعي و العقل و المعرفة و القيم الانسانية. هي معركة مستمرة لم تنتهي، و بالرغم من ادراكنا بأن المعركة طويلة، إلا أن ذلك يشد من عزيمتنا لا يضعفها، فنحن لا نبحث عن صورة تبقى في الذاكرة لمدة 1/19 جزء من الثانية، بل نبحث عن معرفة تحفر عميقا في الوجدان الانساني. ـ




من صور حركة احتلوا وول ستريت
فراس محادين
 29 – كانون الثاني - 2012

No comments: