Monday, May 16, 2011

الثورة بين التحرر و ازاحة الوعي

فراس محادين

ظاهرة الاحتجاجات العربية الجديدة ليست بلا مبررات، فهي نتيجة أزمة حقيقية تمتد من المحيط إلى الخليج، و هنا نتحدث عن حزمة متكاملة من الأزمات الداخلية والخارجية. الداخلية فيما يتعلق بإدارة الدولة وعلاقة الحاكم بالمحكوم و توزيع الثروة و السلطة وعلاقات الانتاج، والخارجية المتعلقة بموازين القوى ومسألة السيادة والموقف من القضايا المركزية (احتلال فلسطين والعراق)، ونستطيع الجزم تماما بأن هذه الأزمات هي السمة الثابته في جميع الدول العربية.
وفي سياق الأزمة كما أسلفت، فإن التحدث عن عدم استقرار هذه الأنظمة هو أمر واقع، و عدم الاستقرار هذا يعني بالضرورة أن هذه الأنظمة، مجتمعة وفرادى، قابلة لفقدان التوازن في أية لحظة.
وعندما بدأت شرارة هذه الاحتجاجات وعبرت عن نفسها من خلال خروج الآلاف من البشر في شوارع تونس، و امتدت باتجاه مصر في فترة قصيرة فقد سددت الجماهير العربية بذلك ضربة قوية لجميع هذه الأنظمة وأصبحت جميعها تترنح تحت تهديد الاحتجاج الشعبي وأصبح كل منها يدرك أنه يواجه مصيرا مشابها.
وهنا تستلزم الأشارة بأن هناك لاعبا مهما في المنطقة العربية (إلى جانب الأنظمة) وهو الإمبريالية و أدواتها، التي تعاملت مع الواقع العربي الجديد بتطويعه للحفاظ على مكتسبات القوى المهيمنة على الأنظمة العربية، ما اقتضى البحث عن الطريقة التي يستمر بها الإرتهان لهذه الهيمنة، مما خلق "الثورة المضادة".
ويمكن تعريف الثورة المضادة ببساطة بأنها تطويع حركة الاحتجاجات العربية وإزاحة الأزمة في الوعي العربي من مراكزها ومحركاتها الحقيقية (حزمة الأزمات الداخلية والخارجية) نحو بعض العناوين الجانبية التي قد تبدو كبيرة ولكنها في الحقيقة بعيدة كل البعد عن جذر المشكلة، ومن الأمثله عليها: تشخيص المشكلة في مصر بشخص حسني مبارك أو زين العابدين في تونس، أو التحدث عن الحريات و تمثلها في صناديق الإقتراع والابتعاد تماما عن فكرة الاستقلال الإقتصادي وأزمة صندوق النقد الدولي أو معاهدات السلام مع العدو الصهيوني أو الاستقلال عن الهيمنة الأمريكية... الخ. و استطاعت هذه القوى خلق الإزاحة بسبب ضعف القوى الوطنية وضعف تأثيرها في الشارع العربي مما نزع عن حركة الاحتجاجات بعد التحرر الوطني، وهو الذي كان السمة الرئيسية لها في البداية.
نحن نتحدث عن بوادر ثورة تحرر حقيقية في الشارع العربي، و نتحدث في الوقت نفسه عن ثورة مضادة تحركها مطابخ الإستخبارات الدولية ووكلائها المحليين. و كل من الثورة و الثورة المضادة تحمل مشروعان متضادان تماما كل منهما ينفي الآخر، فمشروع التحرر العربي يواجه مشروع الثورة المضادة الذي يتمثل في ما يسمى بـ "شرق أوسط جديد" تتم فيه إعادة ترتيب الأوراق بما يتناسب مع أمن الكيان الصهيوني وتأمين مصالح الولايات المتحدة في المنطقة لدعم مشروعها الكوني في السيطرة على العالم.
أما من ستكون له القدرة على الصمود؟ و من سيكون له القدرة على التأثير على الشارع أكثر؟ هنا نتحدث عن احتمالات مفتوحة و ستكون الإجابة لهذه الاسئلة مفتوحة للأيام المقبلة..

No comments: