Thursday, January 19, 2012

لماذا أقف مع سوريا؟ لليساريين تحديدا



فليعذرني الرفاق في كوريا الشمالية، و لكن من المؤكد بأن الحياة هناك ليست الطموح النهائي و النموذج الحقيقي لمجتمع انساني قادر على تحقيق الاشتراكية العلمية بجوهرها الانساني و الموضوعي. و أنا أتحدث هنا عن المستقبل و ليس الحاضر. في الحاضر نحن نحيي نضالكم الحقيقي، و نقدر هذه الإرادة العظيمة التي سقت الفولاذ فعلا و انتجت جيشا يقارع قوى الامبريالية بأسرها. نقدر هذا الصمود، و نتمنى أن ننجز عشر ما أنجزتم على مستوى التحشيد الشعبي بالحد الأدنى، و نتمنى أيضا أن نصل مرحلة النضال التي وصلتم اليها، و ندرك جيدا انكم تمارسون يوميا جوهر العمل الانساني النبيل. و لكننا، و بالرغم من كل ذلك، نحلم بستقبل آخر، حيث تتقدم الانسانية خطوة حقيقية للأمام، و ليست كالخطوة الزائفة التي خطاها ارمسترونج على سطح القمر في استوديوهات الفبركة الأمريكية، و خصوصا في هذه اللحظة المفصلية من تاريخ البشرية مع أفول الامبراطورية الامبريالية الأمريكية، و ملاحظة البشائر الأولى لذلك، من انتصار قوى التحرر في أمريكا اللاتينية، الى الهزيمة العسكرية الموضوعية التي لحقت بالامبريالية في العراق، و التي تزامنت مع هزيمة الكيان الصهيوني عامي 2006 و 2008، و هذا الكيان يعتبر أحدى أهم أدواتهم الرئيسية  في الوطن العربي، وصولا للمعركة الحالية  التي تمارسها الامبريالية ضد شعوب الوطن العربي من خلال ادواتها المحلية (الحركات البرتقالية و الاسلام البرتقالي).ـ

 و تقوم هذه الأدوات الآن بتجنيد الجماهير للعمل من أجل مصلحة الشركات متعددة الجنسيات عبر استخدام الخطاب الديني من جانب، و خطاب "الليبراليون الجدد" من جانب آخر، كما يشكل بعض المثقفين اليساريين الذين تم شراء ضمائرهم الاختراق الاكثر خطرا في هذا السياق، و يمكن اختصار مهمتهم العميلة بالكذب على الجماهير و التغطية على جوهر المعركة و محاولة نشر أفكار الليبراليون الجدد بغطاء "يساري" لتعميمه و تحييد الجماهير عن هذه المعركة المفصلية. ـ

أيها الرفاق في كوريا الشمالية و كل العالم، ندرك جيدا بأن ليس لدينا كاسترو، و لكننا ندرك أيضا أن لا وجود للاتحاد السوفييتي الآن، فالمعركة التي قام بها الرفيق غيفارا ضد الامبريالية السوفييتية غير ممكنة الان، و نذكر جميعا بأن الرفاق في الاتحاد السوفييتي، و بالرغم من معركة جيفارا ضدهم، قاموا بتسليح كاستروا بالصورايخ و الدعم المادي و اللوجستي لمواجهة الامبريالية الامريكية. و لهذا نرجو منكم عدم اتهامنا بالانتهازية لانعدام قدرتنا من الأساس على الوصول للمستوى الرومنسي من النضال الذي وصل اليه الرفيق جيفارا. و ذلك لسبب بسيط وواضح، و هو عدم توفر المناخ أو الأدوات الموضوعية لذلك.ـ

 و نود التذكير بأن هناك فرقا شاسعا بين  الاصطفاف الى جانب عصابات "الكونترا" العميلة في بلادنا و بين النضال الثوري لغيفارا و رفاقه. و نحن أيها الرفاق، و في الوقت الذي نشجب فيه الانخراط في عصابات الكونترا المحلية في بلادنا، نلاحظ ان معظم اليساريين ممن يتذرعون بـ "الثورية" في موقفهم الى جانب الامبريالية هم في الحقيقة يدعمون تلك العصابات عبر تقديم الغطاء السياسي و محاولة التبرير الاخلاقي لجرائمهم و عمالتهم، و نستغرب في نفس الوقت عدم استعداد هؤلاء "الثوريين" للعمل على الأرض مع العصابات التي تحدثنا عنها، هم يكتفون باعتلاء المنابر و الاعلام و النضال "الآمن" على المقاهي و البارات أو على أبواب السفارات السورية في أحضان الأنظمة العميلة هنا و هناك.. و هذه الحقيقة وحدها هي مؤشر كافي على "ارتزاق" تلك المجموعات و عدم جديتها، و عدم احقيتها في التحدث عن النضال الثوري من الأساس.ـ

 أيها الرفاق،ـ
نحن الآن نواجه منعطفا خطرا في المعركة ضد الامبريالية المتوحشة في أزمتها الاقتصادية و العسكرية و الايديولوجية و الفكرية و الاخلاقية، و نحن متأكدون من المستوى الهمجي و المجرم للامبريالية في محاولة حماية مصالحها و تمديد هيمنتها على العالم.ـ
نحن نواجه أحد الاحتمالين لا ثالث لهما. و ذلك بحسب ما تفرضه الحسابات العلمية و الموضوعية. الاحتمال الأول هو استمرار الأزمة للامبريالية لتستمر في الأفول و التراجع تدريجيا مما يسمح بتقاسم العالم بشكل أكثر عدلا، و تلك ستكون الخطوة التي تحدثنا عنها لمصلحة الانسانية جمعاء. ـ
و الاحتمال الاخر هو أن ترمم الامبريالية نفسها من خلال السيطرة على خطوط الغاز في العالم، كبديل عن النفط. و نود التنويه هنا الى أن النفط كمصدر للطاقة و الهيمنة على العالم أصبح مهددا لاقتراب نفاذه من جانب، وبسبب سيطرة قوى مقاومة للامبريالية على العديد من هذه المصادر من جانب آخر.ـ

ان نجاح الامبريالية في التعامل مع الأزمة هذه يعني عودة الامبريالية بشكل أكثر بشاعة و قوة. بالاضافة الى أن التحول الايديولوجي أصبح واضح الملامح في المراكز الامبريالية، و التحولات نحو أقصى اليمين أصبحت تعبر عن نفسها بشكل صريح سواء في الخطاب  السياسي المباشر، أو على المستويات الفكرية و الثقافية.  و هذا التحول الايديولوجي في المراكز الامبريالية انعكس بشكل مباشر في الأطراف، حيث اصبحنا نشاهد مجموعات الاسلام البرتقالي تستلم مفاتيح السلطة في دول الأطراف، و هذه المجموعات قد احيطت بمجموعات برتقالية تضمن  السيطرة الفكرية و الثقافية  على من هم خارج دائرة الاسلام البرتقالي. هذه التركيبة الجديدة التي تفرضها الامبريالية هي مؤشر واضح على المخطط الامبريالي لتمديد أزمته و انقاذ نفسه منها. و نزيد على ذلك بأن هذه التركيبة الجديدة ستكون كارثية على كل المستويات الانسانية و الاخلاقية، لادراكنا بأنها ستكون قائمة على نزع القيم المجتعية و تحويل البشر الى سلع في سوق المعارك الدينية و العرقية و الحروب الأهلية المتصارعة في كانتونات  ومجاميع طائفية و دينية و عرقية و مذهبية متناحرة ضعيفة، في محيط الكيان الصهيوني الدولة القوية الضامنة للسيطرة على مشروع "ديك تشيني" لخط الغاز،  و بالتالي  الضامنة لسيطرة الامبريالية على العالم. و هنا نذكر الرفاق بالعلاقة الجدلية بين الصراع مع الصهيونية و الصراع مع الامبريالية حيث تتجلى هذه العلاقة بأكثر أشكالها وضوحا في هذه المعركة تحديدا. و نتمنى أن لا أن لا يخطئ أحد البوصلة. ـ
المعركة مع سوريا أيها الرفاق تأتي في سياق المعركة على خطوط الغاز، و فشل المشروع الأمريكي في سوريا يعني فشل الامبريالية في محاولة ترميم نفسها، و يعني استمرار هذه الامبراطورية في الأفول و التراجع. و يتوقع الكثيرون أن تقوم المراكز الامبريالية بمغامرات اجرامية كاللجوء الى تفجير العالم بأسره في حرب عالمية شاملة، و ندرك خطورة ذلك،  وفي نفس الوقت نعرف بأن احتمال ذلك يتناقص مع صمود شعوب العالم في الدول المواجهة للامبريالية، و بالتزامن مع الضغط الشعبي الذي تقوم به حركة "احتلوا وول ستريت" الذي يدعم معركتنا بشكل جبار. حظوظ الامبريالية في هذه المعركة تتناقص بشكل كبير في عصر هزائمها العسكرية، و نذّكر هنا بأن نتائج انتصار المشروع الامبريالي في إنقاذ نفسه سيكون أكثر كارثية من حرب عالمية شاملة، نحن نتحدث هنا عن مشروع للفوضى و موت الانسان . ـ

و في سياق الكلام أعلاه، نحن مؤمنون بأن الجماهير التي تحتشد في ساحات و ميادين الجمهورية العربية السورية رفضا للمؤامرة و دعما لمشروع المقاومة و اصلاح الدولة و دعما للقيادة السورية هي الجماهير الثورية الحقيقية، و بأن معركتهم هي معركة الأمة العربية و الانسانية جمعاء، و نرى بأن القوى التي تسمي نفسها "معارضة" للنظام السوري، و تقوم بالتنسيق مع المراكز الامبريالية عبر الاسلام البرتقالي و المجموعات البرتقالية هي قوى عميلة وضعت  نفسها في خانة العدو الامبريالي، و هي عدوة الانسانية جمعاء. و قد لامسنا ذلك أيضا سواء في خطابهم السياسي المباشر أو في خطابهم الفكري و الثقافي. ـ
أيها الرفاق، يجب إدراك خطورة المرحلة التاريخية الدقيقة التي نمر بها، و يجب على كل رفيق يجد نفسه في خانة الشعوب المناهضة للامبريالية أن يدرك الدور الهام المطلوب منه. نتمنى أن لا يسيء أحد تقدير خطورة المرحلة. ـ
نحن قد نستطيع تفهم من شعر بالارتباك و بقي على مسافة من المعركة، و نستطيع تفهم من قرر بأن يكون محايدا، و لكننا غير قادرين على تفهم التموقع في الضفة الأخرى من المعركة. ـ
لا يمكن لأي يساري أو ثائر أن يقدم أعذارا أو ذرائع للوقوف بجانب الامبريالية. و من غير الممكن أن يقوم أيضا بدور التحشيد الشعبي و الجماهيري المضاد سواء لتحشيد الجماهير للوقوف بجانب الامبريالية أو لتحييدها من المعركة، ما يحصل في بلادنا هو نسخة طبق الاصل عن محاولة الامبريالية الامريكية نشر الحروب الأهلية و جمهوريات الموز في أمريكا اللاتينية ابان هزيمتها في فييتنام. وهي تحاول تطبيق نفس التكتيكات في بلادنا عبر أدواتها المحلية العميلة. ـ
و كما قلنا من قبل، قد تكون القيادة السورية مختلفة عن قيادات أخرى في دول أكثر ثورية، و هناك من الملاحظات الكثير الكثير. و لكن و في نفس الوقت  هناك تحولات ايجابية و حقيقية باتجاه العدالة الاجتماعية و الاشتراكية  اقترنت بالصمود على الموقف السياسي في المعادلة الاقليمية والدولية،  لامسنا هذه التحولات في الخطاب السياسي المباشر، و في الخطاب الفكري و الثقافي، بالاضافة الى الممارسة الحقيقية من خلال الاصلاحات الاقتصادية و القانونية و السياسية، و نحن نتمنى الجدية و الاسراع في هذه الاصلاحات و ندعم هذا التوجه بشكل كامل، كما ندعم القيادة السورية في موقفها السياسي المشرف. ـ
نحن مع سوريا لأننا نقف في الجانب الصحيح من المعركة، لتخطو الانسانية خطوة كبيرة نحو مستقبل أفضل يتنصر على جشع الامبراطورية الامبريالية.
لجميع الرفاق تحية نضالية، و لننظر معا لغد آخر و مستقبل أكثر عدالة
 فراس محادين
19/كانون الثاني/2012

No comments: