Sunday, March 24, 2013

عامان .. على الحلم

شهادة بين القراءة و الواقع، لما حدث في اعتصام 24 اذار 2011


عمّان، ميدان جمال عبد الناصر (دوار الداخلية) - الساعة 12 ظهرا، هو الموعد المتفق عليه لبدء الاعتصام المفتوح حتى تحقيق المطالب


تم الاعلان عن هذا الاعتصام بعد اجتماعات متعددة بين شباب متعدد الخلفيات السياسية، بين الحزبي و  المستقّل، بين الخبير في العمل العام و الذي يخوض تجربته الأولى، المتحمّس و المتشكّك، المتعقّل و الهائج

أصبح الجميع مستعد لهذه الخطوة بعد  سلسلة من المسيرات الاسبوعية التي تخرج يوم الجمعة، و بلا انقطاع منذ الاعلان عن "يوم الغضب" في 14 كانون الثاني (يناير) 2011. بالاضافة للتأثير الهائل للأخبار القادمة من تونس و مصر، لخلق هذه الجو أيضا

وصولا للحظة أدرك فيها الجميع ضرورة الاعتصام المفتوح لخلق حالة ضغط حقيقي على النظام لدفعه للتجاوب مع مطالب الشارع

المفارقة هنا، هو المسافة الكبيرة التي قطعتها هذه المطالب بين يوم الغضب الأول و التي كانت تنادي بـ : رغيف الخبز و اسقاط الحكومة و و اسقاط معاهدة وادي عربة، بل و اسقاط نهج التبعية برمته ... و بين المطالب التي تم نقاشها في الاجتماعات الأخيرة، حيث تحول الكلام الى مسائل "تقنية" في شكل "السلطة"، و من الضروري التنويه بأن الكثير من الحركات السياسية رفضت ادماج "اسقاط معاهدة وادي عربة" بمطالب حركة "24 اذار" بعد ذلك، بما في ذلك بعض البرتقاليين و الاسلاميين .. و باستثناء اليسار (مستقلين و أحزاب)

من يوم الغضب الأردني الأول، و حتى الوصول للاعتصام المفتوح، الكثير من الناس و الحركات و الأحزاب قد شارك أحيانا و توقف أحيان أخرى.

و هناك من جرّب الركوب في اللحظات الأخيرة، و نذكر هنا مثلا غياب حركة الاخوان عن معظم المسيرات في تلك الفترة، و مشاركتهم في المقابل يوم 24 شباط(فبراير) 2011، في جمعة كان متوقعا أن تكون حاشدة، بسبب الرفض الشعبي لاعتداء البلطجية على المسيرة السلمية في الجمعة السابقة يوم 18 شباط.

و هذا ما حدث، فقد شهدت تلك المسيرة حشود شعبية كبيرة جدا، تعلن موقفها الرافض لمنطق البلطجة و تكسير الرؤوس، درس في الكرامة ...  درس في الرقي

مشهد قام الاخوان بتسلّقه عبر بعض اليافطات "الضخمة و شاحنات مكبرات الصوت، و الشعار المكتوب باللون الأخضر: "الشعب يريد اصلاح النظام"، لجر الشارع الأردني الى فخ "الربيع" و شعارات "الشعب يريد" المطاطة، ما أوقعنا في الفخ بين فكّي الكماشة: "اسقاط النظام" بما يحمل من مخاطر  و مخاوف جمة، و "اصلاح النظام" المطاط و تحويل الشارع لمسرح للابتزاز المتبادل في لعبة عض الأصابع للأطراف المختلفة داخل النظام، و منها الاخوان

للأسف، لم يدرك الكثير من الناشطين هذه الحقيقة، و البعض الاخر أعلن موقفه و منذ اللحظة الأولى بأن الحل الحقيقي للمشاكل في الأردن يبدأ بتغيير النهج السياسي و الاقتصادي للدولة، باسقاط معاهدة وادي عربة و التخلّص من الهيمنة الأمريكية، في مقدمة لتطوير الدولة و المجتمع و الانسان

البعض الآخر كان جزءا من اللعبة، و حاول الاستفادة من اللحظة بكل الوسائل .. الاستفادة على المستوى الضيق .. الحزبي، و هنا أعني الاخوان تحديدا

الاعتصام المفتوح كان نتاج كل هذا الزخم  ...  الاخبار المتتالية من الكثير من الأماكن، و الاستمرار في التظاهر السلمي جمعة تلو الاخرى .. و المناخ المفتوح من النقاش السياسي ... الذي تحوّل لظاهرة شعبية

في مناخ ايجابي جدا، قررنا الذهاب نحو الاعتصام المفتوح، مجموعات شبابية مختلفة، من كل التيارات السياسية .. و الكثير من المستقلين

و بعد الاتفاق على "الخطوط العريضة"، ووضع مجموعة من المطالب "العمومية" ... تقرر الموعد و المكان ...  اتفقنا أيضا بأن يقوم شباب الاخوان بصياغة البيان للاعلان عن الاعتصام، و الالتزام بما تم الاتفاق عليه في الاجتماعات السابقة

و بعد أيام حماسية في التحشيد و الدعوة للاعتصام في الشارع و بين الناس و على جدران المدينة، و الجدران الافتراضية ... بمجهود مجموعة قليلة من الشباب ... يمكن وضعها تخت خانة "لليسار" ... حان موعد الاعتصام

كانت من اللحظات الخاصة جدا، لا يمكن وصفها بالاعتماد  فقط على الموضوعية و العقل العلمي، ضعوا الصفة التي ترونها مناسبة: رومانسية / شاعرية / أو حتى فذلكة ... بالنسبة لي .. كانت لحظة صادقة جدا .. مليئة بالمشاعر المختلطة، بين القلق و الحماس ... الحلم و اليقين 
وصلت قبل الموعد بنصف ساعة ... وجدت تجمعا لا بأس به لشباب اليسار ، من مختلف الأحزاب، بالاضافة للمستقلين

على أحد جوانب الدوار "الميدان"، في زاوية لا تتسع للكثير ... أعلام و رايات و يافطات فوق تجمع بشري ... الأعين كلها على الميدان .. الهتافات تعلو .. ألأعداد تتزايد ... طاف المكان بنا ... علينا التحرك

وصلنا الميدان، بدأت الهتافات ... شباب اليسار يملؤون المكان ... ووصل عدد محدود من "الاخوان" ... أرادوا الهتاف أيضا ... و كان لهم ذلك .. و في تلك اللحظة بدأ التخريب

بعد هتافات حماسية تقليدية، وصوت جهوري و شخصية تحمل "كاريزما" الهتّيف الى حد ما... خصوصا بشاربه الكث، و الحطة و العقال التقليديين، مفارقة في المشهد ساعدته كثيرا ... و لا اعرف ان كان ذلك مجرد صدفه، أم هو مشهد مكتوب مسبقا!ـ

فجأة، صرخ الهتيف  ضد شخص بعينه، مدير المخابرات .... الجهاز "البعبع" للكثير من الناشطين في الاحزاب و الحركات السياسية المعارضة، بل البعبع للكثير من الناس ..  و هذه ثقافة عربية بامتياز.. ففي البلاد العربية اسماء كثيرة لهذا الجهاز منها: "بيت خالتك"، "ورا الشمس" .. و في الأردن: "الدائرة" ... تخيّلوا ذلك .. الهتاف باسقاط مدير الدائرة

يجب الاعتراف، فاللّحظة مثيرة للاستغراب حقا ... مشاعر غريبة و مختلطة، بين محاولة التساؤل عن سبب هذا الهتاف في هذه اللحظة و هذا المكان تحديدا ... و بين رغبتي الشديدة في الصراخ مرددا للهتاف

قرار الاخوان باستهداف شخص مدير المخابرات بعينه يعبر عن صراع داخلي و لعبة عض أصابع، في لعبة لا تهمّنا ... صراع داخل بنى النظام

ولكن .. في لحظات القمم الدرامية ... المسافة بين السؤال و الصراخ تضيق و تكبر، بحسب كمية الحب و الكراهية... التصالح و الحقد .. الحرب والسلام ..  التي يحملها كل منا. بالنسبة لي المسافة كانت ضيقة جدا في تلك اللحظة، .. ولدي ما يكفي من الاسباب لذلك

صرخنا في تلك اللحظة .. فرحا بالخنجر الأول .. في قلب حلمنا

بعدها بوقت قليل توافد شباب الاخوان بشكل أكثر وضوحا ... عددهم كان يقل عنا برأيي، وصلت بعدها شاحنة مكبرات الصوت .. و الميكروفون .. و الكاميرات ... و كان البيان

صعقنا عند مشاهدة البيان، تم كسر الاتفاق و ادخال بند مشبوه عن "قانون الانتخاب" .. رفضنا ذلك ... رفضوا التعديل ..كان أمامنا خيارين، إما الرفض و الانسحاب .. او الاستمرار و محاولة الانقاذ

صرخنا بأننا شعب واحد .. و التاريخ يشهد ... بالصوت و الصورة في عصر الفيسبوك

الخنجر الثاني .. كان كالأول تماما ... حفر عميقا ... أصاب الحلم في مقتل

و على الأرض ... حيث النفوس نقية، المشهد كان معاكسا تماما، صورة "بوزيتيف" لما يحدث... مدرسة من الأخلاق، في تعامل الكل مع الكل .. وحدة حال .. ووحدة حلم

استمر الاعتصام على مدار يومين خلقت صورة جديدة للوطن في وجدان الكثير من المشاركين، و بغض النظر عن "البلطجية" المحتشدين باعداد قليلة على الجانب الاخر من الميدان... بل كمية الشتائم و الأحجار الملقاة من قبلهم ... جعلت الميدان صورة "بوزيتيف" لهؤلاء أيضا

حيث تعاملت الصفوف الأولى بكل مسؤولية، ورفضت القاء حجر واحد عليهم ... بل ورفضت حتى رد الشتائم .. بكل ترفّع .. حد المثالية ..

جمع الشباب الحجارة الملقاة عليهم، ورسموا بها خريطة الأردن من الصحراء الى النهر .. و  فلسطين من النهر البحر .. و اضاؤوا الشموع ... و جلسوا جميعا حول ايقونتهم و غنّوا .. موطني

في اليوم الثاني أوقفت شرطة السير كل الشوارع المؤدية الى الميدان، كان يوم جمعة ... عدد المشاركين وقت صلاة الظهر كان كبير بشكل ملحوظ  (عدة الاف) .. أنا شخصيا تركت الميدان حوالي الساعة الثامنة صباحا، و ذهبت للمنزل للنوم و عدت حوالي الثالثة عصرا.

أذكر أن وزير الدفاع الأمريكي كان زائرا للأردن يومها، لا أعرف ان كانت تلك الزيارة مفاجئة .. أم مخططة مسبقا .. و لا أذكر سببها و ما صرّح خلالها

و لكنني أذكر الهجوم السريالي على الميدان، و الذي تم على مراحل من قبل الأمن، سبقه هجوم ضخم من "مدنيين" ..

في حوالي الساعة الخامسة مساء، بدأ الهجوم على الميدان من عدة محاور، عبر القاء الحجارة على المعتصمين  من نقاط متعددة من مداخل الميدان المختلفة، تزايدت تباعا مع وصول "الحشود" من ملقي الحجارة، القادمين من المسيرة "المؤيدة"

تصاعد الهجوم كان منهجيا، حيث تزداد النقاط التي يأتي منها الحجارة .. عددا و توزيعا .. و كثافة

بل قاموا بتوزيع أنفسهم في المبنى المجاور للميدان الذي ما يزال في طور البناء، و توزعوا على كل "المربعات" المكونة للمبنى، و قاموا بتنفيذ الهجوم و القاء الحجارة علينا من الطوابق المختلفة بايقاع متزامن كـ  "فيديوكليب" للرقص الحديث

كانوا في كل المكان ... في المبنى المهجور بقرب الميدان ... على الجسر فوقنا ... قادمين من الشوارع المؤدية الى الميدان ... أعدادهم كبيرة، و لم تكن لدينا أدنى فكرة عن "مصدر" كل هذه الحجارة .. خصوصا في مدينة نظيفة و أنيقة كعمّان

تساقط الشباب في الميدان واحدا تلو الاخر، كان الميدان في تلك اللحظة، صورة "نيجاتيف" لما كان عليه منذ لحظات قليلة، قبل الهجوم كنا نرقص الدبكة الجماعية في الشارع .. في مشهد كرنفالي يحتفل بالحرية ... و لم تؤثر حتى الحجارة المقذوفة بين الوقت و الاخر على المشهد ... التحرك و الاختباء خلف السواتر و تعزيز الصفوف الأولى كان جزء من المشهد ... بل من الرقص

المشهد بعد الهجوم المكثف اختلف تماما 

استخدم الشباب "الخيام" البلاستيكية لصد الهجوم و خلق شبكة تحمي الصفوف الاولى على منافذ الميدان لحمايته من الاختراق ... صمدت كل المنافذ حتى اللحظة الأخيرة .. حين  تدخل الأمن بزيه "الرسمي" .. و استخدم وسائله المعروفة  (خراطيم المياه و الهراوات) لتفريق المعتصمين بعد ان سقط عدد كبير من الجرحى، و لم يمارس المعتصمين أي شكل من أشكال العنف المضاد لصد الأمن "الرسمي"

تحولت خيمة الى "مستشفى" ميداني منذ الليلة السابقة، بسبب الاصابات المتعددة نتيجة الحجارة الملقاة باتجاه الميدان بين الوقت و الاخر ... فالإصرار على البقاء في الميدان تسبب بعشرات الاصابات على مدى الليل و نهار اليوم الثاني.

امتلأت الخيمة-المستشفى بالجرحى بعد وصول الهجوم لحده الأقصى، و كانت حركة الاطباء المتطوعين صعبة جدا بين الاجساد الملتصقة ببعض لضيق المكان .. و في الذاكرة طبيب شاب يضع كتلة من الشاش على جرح عميق في رأس مفجوج لتطهيره بأسرع وقت ممكن ...  و الوقوف حائرا لثوان و محاولة المساعدة لعلاج حالة أكثر خطورة ... الأطباء قاموا بما تيّسر ... بما تيّسر من خبرتهم و قدرتهم على التبرع بأدوات الاسعاف الأولية ..

في الذاكرة الهجوم على "المستشفى الميداني" و الدوس على أجساد الجرحى و ضربهم بالهراوات من قبل الأمن، و خلفهم ملقي الحجارة يحملون الهراوات هذه المرة .. يضربون ما تيّسر، يحطمون بطريقة همجية الخيم و اليافظات و كل شيء موجود .. قرارنا بالترفع عن المشهد كان مسبقا .. و شاهدنا جميعا كيف قاموا بتشويه المكان و الذاكرة ... و الحلم بالربيع ... لابقاء "اللعبة" خلف الابواب المغلقة
صورة لربيع حقيقي - تصويري
Nikon F80, Sigma (70-200) on Macro, Kodak 200



فراس محادين
24 اذار 2013

Thursday, March 14, 2013

في الغرور


عندما تصغر الأشياء فأنت تبتعد .. وحده الأحمق يعتقد بأنه يكبر
فراس محادين
12 /03 /2013