Thursday, January 17, 2013

انتحار

اجتاز بعض الشوارع الفرعية و تخلّص من الشعور بالمطاردة، كان يتأمل المارة،  وجوه حائرة، أخرى مليئة بالأمل، و أطفال ملؤها الدهشة ... شعر بحنين خاص لهذه الحياة ... للتفاصيل الصغيرة

لم يتوقف عن الالتفات الى الخلف بين الحين و الحين: "الهاجس اليومي تحوّل الى عادة لا أفارقها .. طقسي الخاص في رقصة الحياة و الحفاظ على البقاء" .. هكذا فكّر

"سأذهب اليها"، قال لنفسه ... بابتسامة أثارت فضول بعض العابرات بقربه، لم يهمه ذلك .. لم يهمه أحد على الإطلاق في تلك اللحظة ... طفلة دققت بهذا الرجل الكبير .. و اكتشفت بأن أقدامه كانت مرتفعة عن الارض .. كان يمشي بخفة لم تشاهد مثلها من قبل .. الطفلة استمرت في التأمل .. بصمت


عادت به الذاكرة الى اللقاء الأول ... صحفية طموحة مليئة بالتحدي ... اسئلة كثيرة وجهتها له، ليس بينها سوى رابط وحيد .... اسئلة مبعثرة ... كلها كانت حرجة ... إجاباته اقتصرت على المناورة حينها... كما يذكر


اللقاء الأول ترك الكثير من الالتباسات لديه .. و مع ذلك وافق على تحديد موعد اخر ... دون التفكير بسبب لتلك الموافقة


بحث عن هاتف عمومي لاجراء مكالمة ... أقنع أحد المارة بمساعدته ... و قام بمكالمة سريعة  قال خلالها الكلمات التالية: "احكوا للشباب انا كويس ... عندي مشوار ضروري .. لا مهرب منه"


كان يحمل فرحا من نوع خاص، صبيانية القدرة على الهرب و التملص من الرقابة الشديدة .. ممزوجة بفرح الفارس ... في طريقه اليها 


التقت به لعدد محدود من المرّات ... اختلسا بعض الاحاديث الجانبية في كل مرة ... مررا الرسائل الضمنية أحيانا كثيرة .. و الصريحه في بعضها .. سلسلة اللقاءات أصبحت ذكرى واحدة في وجدانه.. و كل لقاء يضيف مساحة جديدة ... سلسلة من المشاهد، لفيلم واحد .. و مشاهد وحيد


مع ذلك .. و مع كل لقاء ... الالتباسات أصبحت أيضا مركّبة .. فالاسئلة الحرجة في اللقاء الأول تحولت لأسئلة أكثر تحديدا ... خصوصا عند توجيهها لمن هو في مكانه ... و الخلفية الضبابية لتلك الصحفية وضعت الالتباس موضع الشك .. و لهذا لم يلتقيها وحده من قبل


لم يشعر بالتردد مطلقا عند قراره الهرب اليها، حدث ذلك هذا الصباح، كانت الفكرة تسيطر عليه تماما عند استيقاظه ... فتح عينيه  ...و بهدوء شديد.. جهز نفسه و ارتدى ملابسه ... قام بمناورة صغيرة ... و استطاع التملص من ظلاله التي ترافقه أينما ذهب ..


كان يعرف طريق منزلها ...كل خطوة تعرف طريقها كالخبير الذي مر على نفس الدرب مئات المرات .. حد العادة 


مع أنها زيارته الأولى لها .. و قد عرف عنوان منزلها بالصدفة، عبر حديث جانبي بينهما عن قصة بلا معنى تطرقت "لعنوان" المنزل ... لم يعرف وقتها ان كان ذلك رسالة ضمنية، أم مجرد صدفة بريئة، و لكن: "هل هناك ما هو صدفة بريئة في الحوارات الجانبية؟" .. هكذا فكّر


وصل حينها مدخل المبنى الذي تعيش به، و قال لنفسه: "هي حتما موجودة في المنزل الآن" .. رغم أن زيارته  غير متوقعه ... و رغم أنه لا يعرف فعلا جدولها اليومي 


شعرت بذعر شديد عند رؤيته عبر العين السحرية ... قررت التماسك و فتح الباب بهدوء ... وابتسامة

كان يقف أمام الباب وحيدا، استطاعت ملاحظة ذلك مباشرة، و مع ذلك .. قالت: "وحدك؟" 

"هربت من الجميع و جئت هنا" .. و ابتسم 


ابتعدت عن الباب و دعته للدخول .. كانا متقابلين .. وحيدين .. روحٌ و روح


بعد القبلة الأولى ... قبلة أخرى .. و قبلة 


انسحبت قليلا الى الخلف .. و هي تنظر نحو كل الأشياء إلا هو ... دخلت أحدى الغرف في المنزل لبضع ثوان


عادت و بيدها كاتم الصوت .. صوبته باتجاهه ... هو استمر بالنظر اليها بنفس الهدوء ... و أطلقت النار


هو ... كان يعرف بأن ما تبقى من الزمن قليل جدا ... قال: "أحبكِ" .. و هوى على الأرض


ركضت اليه ... احتضنته .. ابتسم ... بكت ... و رحل


أدركت بأنه اختار الحياة ... و بأنها..  قامت توها .. بالانتحار 




فراس محادين
بيروت 17 كانون الثاني 2013

No comments: