Monday, January 30, 2012

لعبة الصورة

 الأخوين لوميير
مخترعي آلة التصوير السينمائي

سأبدأ الكلام بالاكتشاف الذي توصل اليه رواد السينما في بدايات القرن، الاكتشاف هو قدرة العين على تخزين الصورة لمدة محددة كي يقوم الدماغ بتحليلها و فهمها، و هذه المدة هي 1/19 من الثانية، و بالتالي ان مررت 19 صورة متتالية أمام عين الانسان المجردة خلال ثانية واحدة فستكون له القدرة على رؤية صورة متحركة، هذا هو المفهوم الأساسي  الذي تشكلت لغة السينماعلى أساسه






لقطة القطار الشهيرة في بدايات السينما للأخوين لوميير
و قام بعد ذلك السينمائيون السوفييت (مثل ايزنشتاين و بودوفكين) بالبحث بشكل أكثر عمقا عن الكامن في هذه اللغة، و ارتكزوا الى الديالكتيك الماركسي للوصول لتركيبات أكثر تعقيدا عبر تمرير صور مختلفة في الشريط السينمائي لايصال الفكرة عبر تنوع الصور لخلق معان جديدة تعتمد على المخزون الثقافي و الانساني للعقل، و هو ما نقل السينما الى مستوى اخر يحفر في الوجدان و يستمر عبر التاريخ الانساني. 
لقطة السلالم الشهيرة من فيلم "المدرعة بوتومكين" للمخرج السوفييتي ايزنشتاين


و نعود للفكرة الأولى .. للحصول على "صورة متحركة" يجب تمرير 19 صورة في كل ثانية، و هذا يعني بأن ذاكرة "الصورة" بمفهومها المجرد محدودة، هي ليست ذاكرة "لا نهائية" و لهذا تزامن صعود الامبراطورية الامبريالية مع صعود وسائل الاعلام المرئي لتمرير 19 صورة في كل ثانية دوما و طوال الوقت، و زاد عدد هذه الصور ليصل 24 صورة/ثانية، ثم 25 صورة في عصر الديجيتال!!ـ


هم يدركون المهمة جيدا، عليهم تمرير 25 صورة في كل ثانية ليضمنوا استمرار عملية غسيل الأدمغة و توسيعها بأكبر شكل ممكن، و غرقوا في هذه اللعبة كثيرا و نسوا بأن ذاكرة الصورة قصيرة الأمد في نهاية الأمر، و بأن العقل سينسى الصورة السابقة بعد 1/19 جزء من الثانية... و بغض النظر عن العدد الهائل للصور و الأكاذيب التي سيقومون بتمريرها، فإن الحقيقة الراسخة ستبقى مزروعة في الوجدان و ستنتهي كل هذه الصور في مكانها الطبيعي .. مزبلة التاريخ...
بوستر فيلم "الرأسمالية .. قصة حب" للمخرج مايكل مور - 2009


 الجوهر الانساني محفور في الوعي عبر عشرات الالاف من السنين من عمر الانسان على الكوكب.. و بغض النظر عن سباق الصور التي تبثها الامبريالية في كل ثانية، فلا بد من "فرصة" بين الحين و الآخر لتمرير خطاب مختلف، خطاب يلامس الجوهر الانساني للجماهير، و هذا الخطاب أكثر تأثيرا فهو لا يعتمد على ذاكرة قصيرة الأمد، بل يعتمد على حفر في الوجدان لاستنهاض المكنون الانساني للبشر.














بوستر فيلم "وول ستريت .. المال لا ينام" للمخرج الراديكالي اوليفر ستون - 2010  
و سيكون من المفيد التذكير بالمحاولات الجادة و المستمرة لنشر هذا الخطاب في كل الحقول، من الأدب و الفن و الثقافة و السينما و الفلسفة وصولا لحمل السلاح في مجابهة المشروع الشيطاني للامبريالية. و يمكن ايجاد هذه المحاولات في كل بقع العالم بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، مثل حركة "احتلوا وول ستريت" الشجاعة التي قررت تعليق الجرس و قرعه في اللحظة المناسبة تماما. 










و لهذا نقول، علينا البحث الدائم عن "الفرص" لتمرير خطاب آخر، و العمل الجاد على توسيع بؤر الوعي و العقل و المعرفة و القيم الانسانية. هي معركة مستمرة لم تنتهي، و بالرغم من ادراكنا بأن المعركة طويلة، إلا أن ذلك يشد من عزيمتنا لا يضعفها، فنحن لا نبحث عن صورة تبقى في الذاكرة لمدة 1/19 جزء من الثانية، بل نبحث عن معرفة تحفر عميقا في الوجدان الانساني. ـ




من صور حركة احتلوا وول ستريت
فراس محادين
 29 – كانون الثاني - 2012

Friday, January 27, 2012

مشهد



الصورة من قناة الجزيرة يوم 26 كانون الثاني 2012
على شاشة الجزيرة شيخ عجوز يلبس رداء أبيض و يضع غطاء الرأس التقليدي، و الرجل يشبه بشكل ملفت صورة الشهيد عمر المختار، و في الخلفية على يمين الصورة علم جرذان الناتو بشكل يشابه كاريكاتير ناصر الجعفري "للثورة" بدرجة سريالية. التطابق التام يؤكد بأن هذه الصورة تم صناعتها بشكل مقصود تماما وليست عفوية، خصوصا و ان الرجل يتحدث عن المآسي التي يعاني منها بسبب "كتائب القذافي" كما يقول و هو فعليا يتحدث عن حركة المقاومة الليبية (ح. م. ل.). 


أنا لا أستبعد أن يكون المراسل قد أحضره و ألبسه ووضعه في تلك البقعه و طلب منه أن يقول ما يقوله.. الرجل يتحدث عن المآسي التي يعاني منها الشعب الليبي بسبب حركة المقاومة الليبية (ح. م. ل.)،  و هي الحركة التي ولدت حديثا بعد أن لملم الشعب و الجيش الليبي نفسه ليقارع احتلال الناتو و يحرر الأرض من قواعده و قواته المحلية العميلة على الأرض و هي النسخة طبق الأصل عن قوات حكومة سايغون العميلة بقيادة الرجعي مصطفى عبد الجليل، خطيئة القذافي الكبرى.  نود التذكير هنا بأن الشعوب كانت دوما الى جانب المقاومة، و لم تكن يوما الى جانب قوى العمالة و التبعية، و إن كذبوا و فبركوا الصور... و لكن الحقيقة ستظهر في النهاية. 

كاريكاتير ناصر الجعفري 
الصورة (كما الكاريكاتير) هي تشويه للواقع بطريقة مستفزة، قلب للحقائق لاختراق حتى الوجدان!! و في حقيقة الأمر فإن أحفاد عمر المختار الحقيقيين هم حركة المقاومة الليبية (ح. م. ل.)، و نحن في الوقت الذي ننحني فيه أمام هؤلاء الأبطال، إلا أننا ندرك أن أمامهم معركة طويلة و صعبة لتحرير ليبيا و استعادة كرامتهم الوطنية و القومية بعد أن لوثها عملاء الناتو ومؤيديهم.




كما نعتذر منهم، نحن من انجر خلف كذبة الربيع العربي و لم ينتبه الى ديكورات المسرحية واضحة الملامح، كالعلم المشبوه الذي استخدمه العملاء رمزا لفترة الانتداب و تواجد القوات الأمريكية في ليبيا، كما لم ننتبه الى الحماس الأمريكي و الأوروبي لحقوق الانسان و كرامة الانسان الليبي، كان يجب أن نعرف، نحن شعوب الجنوب أن الرجل الأبيض لم يتخلى بعد عن همجيته ووحشيته، كان يجب أن نتعلم من الهنود الحمر أبسط قوانين الطبيعة!!ـ
الشهيد المجاهد عمر المختار 


نرجو أن تعذرونا، فأدواتهم كثيرة، و هم مدججون بالأموال و الغرف السوداء و العملاء و الشاشات و الأقلام و حتى الرسامين. و منهم رسام ذلك الكاريكاتير و غيره، كرسام الكاريكاتير الشهير في الأردن الذي  الذي نعرف تاريخه جيدا، فقد تم شراؤه بعد أن فتحت له مكتبة الكونغرس و استقبله كبار السياسيين في مركز الإمبريالية، و بعد أن عاد فتحت له شركة للانتاج بالاضافة الى الصفحات الأخيرة في أكبر الصحف و أكثرها توزيعا، و من ثم تم ترويجه و تحويله لأيقونة شعبية تجاوزت حتى الحدود القطرية(بضم القاف و تسكين الطاء) ووصلت القطرية (بفتح القاف و الطاء و أشياء أخرى)، و هو يقوم الآن بالتسويق للمشروع الأمريكي في المنطقة بشكل خبيث، حيث يقف على "الحياد" عند التعاطي مع "التدخل الأجنبي" و يشيطن الأنظمة، خصوصا المقاومة للاحتلال و التي تحمل إرادة الاستقلال.

أعذرونا فقد تم استغفالنا لبعض الوقت، و نتمنى ان تتفهموا بأننا نعيش حالة مزرية في عصر الانحطاط  و تحيطنا بؤر العمالة. نحن لا نتملك الكثير، بل لا نمتلك شيئا سوى البحث عن العقل و العلم و المعرفة و الكرامة الانسانية. وهو ما يهدينا في اخر الطريق، و سيكون كل فرد فينا منارة لمن يحيطه، و نؤكد لكم أيها الأبطال بأن دوائر النور تزداد اتساعا يوما بعد الاخر، و عند الانتصار ستكون الجماهير كلها خلفكم، تحييكم و تنحني من أجلكم و تعاهدكم بالحفاظ على الأمة.

من رسومات ناجي العلي
و نحن عدنا الى بوصلتنا لأن وجداننا يحمل رسومات ناجي العلي و حنظلته، هو أنقذنا، لأن موهبته هي الضمير الحقيقي .. و الفن الحقيقي، و نحمد الله لأن لا أحد من هؤلاء العملاء بربع موهبته. و ننتظر الانتصار كما ننتظرك ناجي العلي تتجسد في موهبة أخرى تحفر في وجدان الأجيال القادمة صور الانتصار، و الفرح و قيم الانسانية النبيلة. 



---
فراس محادين

26 كانون الثاني 2012




Sunday, January 22, 2012

تفاح و فراولة



هل جرّب أحدكم عصير تفاح و فراولة؟؟ أنا شخصيا أحب عصير التفاح،  وليس عندي مشكلة مع الفراولة، فقد كنت صغيرا في الثمانينات وكنا نحب العلكة بالفراولة، و لهذا طعم الفراولة يشعرني بأنني طفل. و كما قلت أنا أحب عصير التفاح الآن، في عمري هذا.. و لكن .. عصير تفاح و فراولة؟ الاثنين معا؟
المزيج يفقدك الاحساس بكل طعم بينهم كإحساس مستقل بذاته، و في نفس الوقت تستشعر بكل منهما على حدة دون أن تشعر بشيء جديد، تشعر بأنه مزيج، مزيج غير مريح من الطفولة و الحاضر، بلا أمل.
أخاف ان كررت تلك التجربة بأن اخسر نفسي طفلا يحب الفروالة و أفقد شيئا من الذاكرة، و أخاف أيضا أن أفقد نفسي كشاب يحب عصير التفاح، و أفقد شيء من الحاضر، و هذا المزيج لم يأت بجديد أو أمل.

قررت .. أن لا أشرب عصير تفاح و فراولة مجددا.


فراس محادين
22/1/2012

Friday, January 20, 2012

الفيلم الأمريكي "دخان" للمخرج: واين وانج - 1995


"أنظر بتمهل" يقول (المصور (و صاحب محل البقالة) للروائي،" لن تستطيع رؤية الفكرة و ادراكها دون ان تنظر بتمهل ..لتكتشف الفروقات الصغيرة بين تلك الصور لنفس المكان و نفس الشارع من نفس الزاوية في الساعةالثامنة صباحا من كل يوم!!.. ما هو موجود اليوم لن تجده غدا..  ادراك ذلك يجعلك تدرك جوهر الحياة. هذه التفاصيل و هذه التناقضات، التغير و الحركة هي روح الوجود،و التي جعلتنا نتسائل دائما عن طريقة لادراكها و قياسها كما قام السير والتر رايلي  بقياس وزن الدخان ..ـ  





الفيلم من بطولة الممثل الرائع هارفي كايتل و الذي ساهم بشكل كبير في دعم السينما البديلة في أمريكا، و السينما البديلة هي تيار السينما الجادة ..الأمل بغدٍ إنساني، و هو التيار الذي استمر منذ بداية نشوء السينما و حتى يومنا هذا، منذ شارلي شابلن الثائر الشيوعي و الباحث عن الأنسانية بكل تناقضاتها ..ببكائها و سخريتها و ثورتها في الضحك نفسه!!! و يستمر هذا التيار عبر المخرج الشاب كوينتن تارانتيو الأقرب لستوديوهات هوليوود لإيمانه بفكرة "التغيير من الداخل"، و هي مدرسة المخرجين الكبار مثل كوبولا أو ستانلي كوبريك، كما يستمر تيار السينما البديلة في أمريكا أيضا عبر مخرجين قرروا الابتعاد عن الاستوديوهات و قاموا بالحفر خارج "المنظومة" لانشاء وعي ثوري في السينما و الواقع مثل جيم جارموش و فينسينت جالو و مثل مخرج فيلم (smoke) واين وانج.

عندما نشاهد فيلما من هذا التيار نذكر دائما الجانب الذي نعشق في أمريكا: النساء الثائرات على أبواب المصانع، و مناضلي النقابات الذين استشهدوا من أجل أبسط حقوقهم، من أجل تحديد ساعات العمل بـثمانية ساعات، لتبقى الحركة العمالية دوما الأكثر نضالا و تقدما و أنسانية، لوعيها الحقيقي بقيمة العمل و قيمة المجتمع و قيمة الانسانية، و منذ تلك المعركة عام1886  للحركة العمالية الأمريكية و  يحتفل العمال بيوم العمال العالمي في "5 أيار" المجيد تحية لشهداء الحركة العمالية في أمريكا و العالم أجمع.
كما نذكر أيضا مئات الالاف الذين تظاهروا في شوارع أمريكا لارغام النظام الإمبريالي على الانسحاب من فييتنام دعما للمقاومة الفييتنامية العظيمة، و ابتسامة "جين فوندا" على مضادات الطائرات للفيت كونج.. و ذلك بغض النظر عن تراجعها المشين عن تلك المواقف، تبقى جين فوندا الانسانة في الذاكرة أما الانتهازية فهي درس لنا لفهم قدرة الامبريالية على شراء الضمائر و تحويل الوعي بشكل متناقض مع انسانيته، بل نقول قدرة الامبريالية على تغيير الوعي بشكل كلي و أحلال وعي للعبيد و تقبل للعبودية بدل منه.

في أمريكا نذكر رويات "وليم فوكنر" و "سكوت فيتزجيرالد" و أنا متأكد أن هناك كثيرون غيرهم و بسبب كسلي لم اكتشفهم!! كما ننظر هذه الأيام باحترام شديد للشبان الشجعان في شوارع أمريكا في حركة "احتلوا وول ستريت" لحث الشعوب على النهوض و احتلال الشوارع لمواجهة الإمبريالية المتوحشة.

فيلم (smoke)  تحية حب للسينما نفسها، لحكاية الانسان.. بتواضع شديد للمخرج.. باحترام وحب شديدين لفن السينما، و بكل الجدية في بحثٍ دقيق في الجوانب الجمالية للسينما ..  للصورة.. و للفن.
لا تتحرك الكاميرا الا بحرص شديد، لا مبالغة .. الفنان الحقيقي يدرك بأن لا تعالي و لا استسهال في الفن. مونتاج غاية في الرقة، و في أكثر اللحظات عنفا، في المشهد الذي يقوم فيه الشاب المراهق بإنقاذ الروائي من الدهس، لم يتم استخدام الكثير من اللقطات، لقطتين فقط ثم يتم القطع مباشرة الى بداية الحكاية بينهما.
تستشعر عبقرية الموسيقا من بداية الفيلم، بهدوء شديد، و خلال معظم الفيلم تمر الموسيقى في الخلفية دون ان تشعر بها، و تمرر الجرعات الحسية دون أي فرض.
تركيب معقد للسيناريو و سرد غاية في البساطة، العديد من المستويات للقصة و الشخصيات و الحوار، يعالج في المستوى الأول –القصة– الجانب الانساني المنسي في يوميات الحياة، و يضع "التعاطف الانساني" كقيمة ضامنة لاستمرار الانسان في محيطه المزري تحت سيطرة قيم السوق ورأس المال الشجع، و السؤال الدائم في الفيلم: متى سيدفع الرجل الأبيض الثمن؟ هل يدفع الثمن  فعلا على حساب انسانيته نفسها؟ و هل سيكفر عن الخطايا؟ متى سيفهم بقية الرجال البيض ذلك؟ متى سيفهم الرجل الأبيض بأن "غروره وحساباته البنكية و إرثه الاقطاعي الاستيطاني الاستعماري القاتل" لن يزيده الا ترديا؟ سؤال يتردد تقريبا في كل مشهد من الفيلم. الحل الوحيد أمام الرجل الأبيض و البشرية جمعاء هي "التعاطف الانساني"، هي روح الانسان، التي يمكن قياس وزنها كالدخان تماما!!ـ
الحوار حمل شكلا محددا في كل المشاهد، سخرية جارحة تحمل كما هائلا من الحب، جدلية الحب و الكراهية في جوهرها الانساني. و بالرغم من البساطة الشديدة في الحوار ، و لكنه يحمل في نفس الوقت مستويات متعددة و شديدة التعقيد، و هو ما يمكن ملاحظته في جميع جوانب بناء الفيلم البصرية والدرامية. الملاحظ بأن تطور العلاقة بين الشخصيات الرئيسية كان يتم دائما بمشاهد صامته دون جملة حوار واحدة. الشكل المسرحي في الحوار يذكرنا بروايات فوكنر و العودة للبحث في الدراما المسرحية داخل العمل الروائي. حيث أن الاتقان الشديد في البناء المسرحي كان السبب الرئيسي للحفاظ على سلاسة المشاهد و الابتعاد عن الافتعال و تحقيق التواصل الانساني مع الجمهور. و قد تحقق ذلك تماما سواء في الرواية عند فوكنر و في هذا الفيلم أيضا.
الفيلم جاء في خمسة فصول: المقدمة (حكاية الروائي حول قياس وزن الدخان و من ثم حكايته الشخصية) – الروائي بول – المراهق الأسمر رشيد  - روبي (شبيهة مارلين مونرو بعين واحدة) – سايروس (الأب ذو الخطاف) – الحل (حكاية الميلاد، للمرة الثانية.. و لكن بالصورة هذه المرة)
الشكل الكلاسيكي في السرد، خمسة فصول على ايقاع هوميروس، بحث جدي لجماليات السرد في السينما استنادا للجذور الأولى في الدراما، و شكل كلاسيكي أيضا في الصورة، معظم المشاهد في لقطات طويلة لكاميرا ثابته لا تتحرك الا للضرورة المشهدية، كما استخدمت حركة الكاميرا في بضعة مشاهد قليلة من الفيلم للاقتراب من الممثل و التوحد معه في لحظة "التنور"، احساس مستمر بالحالة الفوتوغرافيه، الحركة داخل الصورة طبيعية جدا و  تحمل ألفة الجلوس في المنزل، و الاحساس الجمالي متقن و يرتكز في التفاصيل دون البحث عن "ابهار" بصري،  فالجمال في الحياة نفسها، في التفاصيل، في الروح التي تحمل الفيلم.
في مقابل الشكل الكلاسيكي في السرد، كان بناء الشخصيات أقرب للشكل "الاسطوري" و إنما في عالمنا المعاصر. في محاولة لتقليد هوميروس عبر الشخصيات الغرائبية و لكن هذه المرة لمخاطبة عقل ما بعد التنوير، عقل التفلزيون و الحروب بالريموت كونترول، البحث عن الغرائيبة هنا مختلف، و أقرب للواقع اليومي و يمكن رؤيته يوما ما في أحد المقاهي أو محلات البقالة، اوجي مثلا، صاحب البقالة الذي اضطر للسرقة من أجل حبيبته، و حكم عليه بالانتساب للجيش الأمريكي  والمشاركة في الحروب بدلا من أن يدخل الكلية، هو يمارس الان هوايته اليومية و يصور صورة واحدة كل يوم الساعة الثامنة صباحا لنفس الشارع من نفس الزواية.  و يعمل في تجارة السيجار الكوبي في الخفاء. و يتكشف وجود ابنة له من حبيبته السابقة (شبيهة مارلين مونرو بعين واحدة)، و يكتشف ان اسمها "فيليستي - السعادة" أكملت العام الثامن عشـر، فيليسيتي تحيا بشكل مزرٍ  و منفصل عن الواقع بشكل كامل في عالم المخدرات. و روبي شبيهة مارلين مونرو و لكن بعين واحدة، تدمن المخدرات و الكذب، و تصارع من أجل ما تبقى في الروح، أخر رمق في انسانيتها. و الأب الذي قتل "الأم" و خسر ذراعه الأيسر، و استبدلها بأخرى من الخردوات و الحديد. و الروائي الذي خسر امرأته و طفله في حادث تسببت فيه الجريمة المنظمة، و خسر مع ذلك نفسه و قدرته على الإبداع.



و في المستوى الثاني للسيناريو، وبتواضع شديد أمام الأدب، يتحدث الفيلم عن الذاكرة و الخيال. شخصية رشيد هي احتفالية بالحياة و العمل والخيال و الابداع.  في الحوارات احتفاء مستمر بالخيال و العقل، الخيال باعتباره اعادة "تركيب" الواقع عبر تجاوز كل الضوابط لحركة التاريخ، و يصبح المكان و الزمان و الاشخاص قيما متغيرة في محيط واحد، المتغير و الثابت هو وحدة الوجود. و هي النتيجة التي اختصرت في الفصل (الخامس) و الأخير من الفيلم بأن مصدر الخيال بأشكاله الأكثر اكتمالا هو الواقع، بجوهره الانساني و تناقضاته. و هي الحقيقة التي اكتشفها الروائي من خلال حكاية الميلاد  و استعاد بذلك قدرته على الابداع عبر اكتشاف هذه الحقيقة تحديدا.
لربما يعتقد البعض أن الفيلم لم يقدم نظرة ثورية بسبب البحث الدائم عن التصالح مع الذات و مع الجوهر الانساني للبشرية، و لم يقدم نظرية الصراع بشكها المجرد و المتجلي في أرض الواقع. و لكن، في حقيقة الأمر الفيلم يقدم نظرية ثورية عبر حفر الوعي نفسه، و البحث عن الجوهر الانساني في أمريكا، مركز الامبريالية المتوحشة بكل تناقضاتها. و يجدر التذكير هنا بالتحذير الذي قدمه الفيلم وتوقعه غزو العراق قبل أن يحدث ذلك بسنوات.

و في المستوى الثالث، يتحدث الفيلم عن السينما نفسها
فيلم في داخل الفيلم، لقطة واحدة لنفس الشارع لنفس الزاوية من كل يوم في الساعة الثامنة صباحا بالضبط .. يوم بعد الاخر..  نفي النفي لرؤية العالم من هذه الزاوية تحديدا، التغير و التبدل في الضوء و المناخ و البشر في تلك اللحظة من كل صباح، لاكتشاف اللامرئي في كل تلك اللقطات، لاكتشاف الوجود نفسه المبني من - و ليس على - هذه التناقضات، وهنا روح السينما، روح الانسان نفسه. و كما يقول الروائي في القصة التي يرويها في المشهد الأول من الفيلم: "عندما تقيس وزن "الدخان" فكأنك تقيس وزن الروح نفسها".
اشارات حب للسينما و للابداع تقاطعت مع البناء الدرامي للمشاهد في البحث عن جوهر الانسانية و الحب ، كما حصل في أحد المشاهد مثلا عندما يقول الروائي للمصور (و صاحب البقالة): كنت أدرك بأنك مجنون، فذلك مرسوم على ملامحك كأضواء النيون المشعة (في اشارة لاضواء النيون على أبواب قاعات السينما)، في تداخل حقيقي وواضح ما بين البعد الانساني المجرد و ما بين الابداع كتجلي لهذا البعد الانساني.
بالاضافة الى التشابه الواضح بين ديكور شقة الروائي في الفيلم مع غرفة البطل في فيلم هيتشكوك الشهير "النافذة الخلفية"، للغرفة نفس النافذة المميزة في رسالة حب و تقدير لفيلم هيتشكوك الذي قدم تجربة مجددة و تقدمية جدا في الفيلم عبر التكنيك الاخراجي و السرد و المستويات المتعددة للسيناريو و العمق الانساني.

هناك مقاربات عدة للعلاقة مع "الأب" في الفيلم، فهناك السخط حد الثورة من الأب والمجتمع و الوجود بأسره، كما هي الفتاة ابنة المصور و روبي، المراهقة التي انفصلت عن العالم تماما، و رشيد، الذي قتل اباه في ذاكرته و هو في حالة الانكار عندما اكتشف وجوده و هرب لعالم الخيال، ما جعله يتحول ليصبح هو "بول بيجامين" - الروائي، في بحثه عن الأب، و في هذه المقاربة لا يبحث عن "قتل" الأب و التخلص من سلطته، هو يرى الأب ذو اليد الواحدة الذي قتل "الأم"، هو الأب الذي يعيش قدره اليومي بالتطهر من تلك الخطيئه عبر يده المقطوعة التي استبدلها بأخرى من "الحديد و الخردة"،   و هو الثمن الذي يدفعه هذا الأب "للحفاظ على توازن الكون" كما يقول الروائي في مشهد البداية للفصل الثاني. والأب هو أيضا اوجي المصور و صاحب البقالة، الذي يوظف شابا "بطئ التعلم" و يحاول ان ينير له الطريق لاكتشاف و فهم الوجود و يكتشف هذا الشاب حقيقة الوجود بشكل "ديني" من خلال سوء فهم بسيط...  اوجي الذي يكتشف فجأة انه أصبح أبا و منذ زمن طويل.. وهو الذي انتحل صفة "الحفيد" و سرق الكاميرا الخاصة به من الجدة العمياء في ليلة الميلاد، هذه الكاميرا التي اكتشف من خلالها روح الوجود، و هي القصة التي انتقلت من فم "المصور" لعين الراوي لينقلها للعالم..ـ
 يبحث الفيلم عن علاقة جديدة مع ذلك الأب .. عن قيم أخرى في الجوهر الانساني. البعد الرومانسي في بناء الفيلم قد يصل حد التصوف، فالبحث عن الانسان، هو بحث عن الروح، روح الوجود بأسره. 

أنصح بمشاهدة الفيلم لمن لا يعرفه، كما أنصح بمشاهدته ثانيا و ثالثا ورابعا لمن شاهده قبل ذلك.



فراس محادين
20/1/2012

Thursday, January 19, 2012

لماذا أقف مع سوريا؟ لليساريين تحديدا



فليعذرني الرفاق في كوريا الشمالية، و لكن من المؤكد بأن الحياة هناك ليست الطموح النهائي و النموذج الحقيقي لمجتمع انساني قادر على تحقيق الاشتراكية العلمية بجوهرها الانساني و الموضوعي. و أنا أتحدث هنا عن المستقبل و ليس الحاضر. في الحاضر نحن نحيي نضالكم الحقيقي، و نقدر هذه الإرادة العظيمة التي سقت الفولاذ فعلا و انتجت جيشا يقارع قوى الامبريالية بأسرها. نقدر هذا الصمود، و نتمنى أن ننجز عشر ما أنجزتم على مستوى التحشيد الشعبي بالحد الأدنى، و نتمنى أيضا أن نصل مرحلة النضال التي وصلتم اليها، و ندرك جيدا انكم تمارسون يوميا جوهر العمل الانساني النبيل. و لكننا، و بالرغم من كل ذلك، نحلم بستقبل آخر، حيث تتقدم الانسانية خطوة حقيقية للأمام، و ليست كالخطوة الزائفة التي خطاها ارمسترونج على سطح القمر في استوديوهات الفبركة الأمريكية، و خصوصا في هذه اللحظة المفصلية من تاريخ البشرية مع أفول الامبراطورية الامبريالية الأمريكية، و ملاحظة البشائر الأولى لذلك، من انتصار قوى التحرر في أمريكا اللاتينية، الى الهزيمة العسكرية الموضوعية التي لحقت بالامبريالية في العراق، و التي تزامنت مع هزيمة الكيان الصهيوني عامي 2006 و 2008، و هذا الكيان يعتبر أحدى أهم أدواتهم الرئيسية  في الوطن العربي، وصولا للمعركة الحالية  التي تمارسها الامبريالية ضد شعوب الوطن العربي من خلال ادواتها المحلية (الحركات البرتقالية و الاسلام البرتقالي).ـ

 و تقوم هذه الأدوات الآن بتجنيد الجماهير للعمل من أجل مصلحة الشركات متعددة الجنسيات عبر استخدام الخطاب الديني من جانب، و خطاب "الليبراليون الجدد" من جانب آخر، كما يشكل بعض المثقفين اليساريين الذين تم شراء ضمائرهم الاختراق الاكثر خطرا في هذا السياق، و يمكن اختصار مهمتهم العميلة بالكذب على الجماهير و التغطية على جوهر المعركة و محاولة نشر أفكار الليبراليون الجدد بغطاء "يساري" لتعميمه و تحييد الجماهير عن هذه المعركة المفصلية. ـ

أيها الرفاق في كوريا الشمالية و كل العالم، ندرك جيدا بأن ليس لدينا كاسترو، و لكننا ندرك أيضا أن لا وجود للاتحاد السوفييتي الآن، فالمعركة التي قام بها الرفيق غيفارا ضد الامبريالية السوفييتية غير ممكنة الان، و نذكر جميعا بأن الرفاق في الاتحاد السوفييتي، و بالرغم من معركة جيفارا ضدهم، قاموا بتسليح كاستروا بالصورايخ و الدعم المادي و اللوجستي لمواجهة الامبريالية الامريكية. و لهذا نرجو منكم عدم اتهامنا بالانتهازية لانعدام قدرتنا من الأساس على الوصول للمستوى الرومنسي من النضال الذي وصل اليه الرفيق جيفارا. و ذلك لسبب بسيط وواضح، و هو عدم توفر المناخ أو الأدوات الموضوعية لذلك.ـ

 و نود التذكير بأن هناك فرقا شاسعا بين  الاصطفاف الى جانب عصابات "الكونترا" العميلة في بلادنا و بين النضال الثوري لغيفارا و رفاقه. و نحن أيها الرفاق، و في الوقت الذي نشجب فيه الانخراط في عصابات الكونترا المحلية في بلادنا، نلاحظ ان معظم اليساريين ممن يتذرعون بـ "الثورية" في موقفهم الى جانب الامبريالية هم في الحقيقة يدعمون تلك العصابات عبر تقديم الغطاء السياسي و محاولة التبرير الاخلاقي لجرائمهم و عمالتهم، و نستغرب في نفس الوقت عدم استعداد هؤلاء "الثوريين" للعمل على الأرض مع العصابات التي تحدثنا عنها، هم يكتفون باعتلاء المنابر و الاعلام و النضال "الآمن" على المقاهي و البارات أو على أبواب السفارات السورية في أحضان الأنظمة العميلة هنا و هناك.. و هذه الحقيقة وحدها هي مؤشر كافي على "ارتزاق" تلك المجموعات و عدم جديتها، و عدم احقيتها في التحدث عن النضال الثوري من الأساس.ـ

 أيها الرفاق،ـ
نحن الآن نواجه منعطفا خطرا في المعركة ضد الامبريالية المتوحشة في أزمتها الاقتصادية و العسكرية و الايديولوجية و الفكرية و الاخلاقية، و نحن متأكدون من المستوى الهمجي و المجرم للامبريالية في محاولة حماية مصالحها و تمديد هيمنتها على العالم.ـ
نحن نواجه أحد الاحتمالين لا ثالث لهما. و ذلك بحسب ما تفرضه الحسابات العلمية و الموضوعية. الاحتمال الأول هو استمرار الأزمة للامبريالية لتستمر في الأفول و التراجع تدريجيا مما يسمح بتقاسم العالم بشكل أكثر عدلا، و تلك ستكون الخطوة التي تحدثنا عنها لمصلحة الانسانية جمعاء. ـ
و الاحتمال الاخر هو أن ترمم الامبريالية نفسها من خلال السيطرة على خطوط الغاز في العالم، كبديل عن النفط. و نود التنويه هنا الى أن النفط كمصدر للطاقة و الهيمنة على العالم أصبح مهددا لاقتراب نفاذه من جانب، وبسبب سيطرة قوى مقاومة للامبريالية على العديد من هذه المصادر من جانب آخر.ـ

ان نجاح الامبريالية في التعامل مع الأزمة هذه يعني عودة الامبريالية بشكل أكثر بشاعة و قوة. بالاضافة الى أن التحول الايديولوجي أصبح واضح الملامح في المراكز الامبريالية، و التحولات نحو أقصى اليمين أصبحت تعبر عن نفسها بشكل صريح سواء في الخطاب  السياسي المباشر، أو على المستويات الفكرية و الثقافية.  و هذا التحول الايديولوجي في المراكز الامبريالية انعكس بشكل مباشر في الأطراف، حيث اصبحنا نشاهد مجموعات الاسلام البرتقالي تستلم مفاتيح السلطة في دول الأطراف، و هذه المجموعات قد احيطت بمجموعات برتقالية تضمن  السيطرة الفكرية و الثقافية  على من هم خارج دائرة الاسلام البرتقالي. هذه التركيبة الجديدة التي تفرضها الامبريالية هي مؤشر واضح على المخطط الامبريالي لتمديد أزمته و انقاذ نفسه منها. و نزيد على ذلك بأن هذه التركيبة الجديدة ستكون كارثية على كل المستويات الانسانية و الاخلاقية، لادراكنا بأنها ستكون قائمة على نزع القيم المجتعية و تحويل البشر الى سلع في سوق المعارك الدينية و العرقية و الحروب الأهلية المتصارعة في كانتونات  ومجاميع طائفية و دينية و عرقية و مذهبية متناحرة ضعيفة، في محيط الكيان الصهيوني الدولة القوية الضامنة للسيطرة على مشروع "ديك تشيني" لخط الغاز،  و بالتالي  الضامنة لسيطرة الامبريالية على العالم. و هنا نذكر الرفاق بالعلاقة الجدلية بين الصراع مع الصهيونية و الصراع مع الامبريالية حيث تتجلى هذه العلاقة بأكثر أشكالها وضوحا في هذه المعركة تحديدا. و نتمنى أن لا أن لا يخطئ أحد البوصلة. ـ
المعركة مع سوريا أيها الرفاق تأتي في سياق المعركة على خطوط الغاز، و فشل المشروع الأمريكي في سوريا يعني فشل الامبريالية في محاولة ترميم نفسها، و يعني استمرار هذه الامبراطورية في الأفول و التراجع. و يتوقع الكثيرون أن تقوم المراكز الامبريالية بمغامرات اجرامية كاللجوء الى تفجير العالم بأسره في حرب عالمية شاملة، و ندرك خطورة ذلك،  وفي نفس الوقت نعرف بأن احتمال ذلك يتناقص مع صمود شعوب العالم في الدول المواجهة للامبريالية، و بالتزامن مع الضغط الشعبي الذي تقوم به حركة "احتلوا وول ستريت" الذي يدعم معركتنا بشكل جبار. حظوظ الامبريالية في هذه المعركة تتناقص بشكل كبير في عصر هزائمها العسكرية، و نذّكر هنا بأن نتائج انتصار المشروع الامبريالي في إنقاذ نفسه سيكون أكثر كارثية من حرب عالمية شاملة، نحن نتحدث هنا عن مشروع للفوضى و موت الانسان . ـ

و في سياق الكلام أعلاه، نحن مؤمنون بأن الجماهير التي تحتشد في ساحات و ميادين الجمهورية العربية السورية رفضا للمؤامرة و دعما لمشروع المقاومة و اصلاح الدولة و دعما للقيادة السورية هي الجماهير الثورية الحقيقية، و بأن معركتهم هي معركة الأمة العربية و الانسانية جمعاء، و نرى بأن القوى التي تسمي نفسها "معارضة" للنظام السوري، و تقوم بالتنسيق مع المراكز الامبريالية عبر الاسلام البرتقالي و المجموعات البرتقالية هي قوى عميلة وضعت  نفسها في خانة العدو الامبريالي، و هي عدوة الانسانية جمعاء. و قد لامسنا ذلك أيضا سواء في خطابهم السياسي المباشر أو في خطابهم الفكري و الثقافي. ـ
أيها الرفاق، يجب إدراك خطورة المرحلة التاريخية الدقيقة التي نمر بها، و يجب على كل رفيق يجد نفسه في خانة الشعوب المناهضة للامبريالية أن يدرك الدور الهام المطلوب منه. نتمنى أن لا يسيء أحد تقدير خطورة المرحلة. ـ
نحن قد نستطيع تفهم من شعر بالارتباك و بقي على مسافة من المعركة، و نستطيع تفهم من قرر بأن يكون محايدا، و لكننا غير قادرين على تفهم التموقع في الضفة الأخرى من المعركة. ـ
لا يمكن لأي يساري أو ثائر أن يقدم أعذارا أو ذرائع للوقوف بجانب الامبريالية. و من غير الممكن أن يقوم أيضا بدور التحشيد الشعبي و الجماهيري المضاد سواء لتحشيد الجماهير للوقوف بجانب الامبريالية أو لتحييدها من المعركة، ما يحصل في بلادنا هو نسخة طبق الاصل عن محاولة الامبريالية الامريكية نشر الحروب الأهلية و جمهوريات الموز في أمريكا اللاتينية ابان هزيمتها في فييتنام. وهي تحاول تطبيق نفس التكتيكات في بلادنا عبر أدواتها المحلية العميلة. ـ
و كما قلنا من قبل، قد تكون القيادة السورية مختلفة عن قيادات أخرى في دول أكثر ثورية، و هناك من الملاحظات الكثير الكثير. و لكن و في نفس الوقت  هناك تحولات ايجابية و حقيقية باتجاه العدالة الاجتماعية و الاشتراكية  اقترنت بالصمود على الموقف السياسي في المعادلة الاقليمية والدولية،  لامسنا هذه التحولات في الخطاب السياسي المباشر، و في الخطاب الفكري و الثقافي، بالاضافة الى الممارسة الحقيقية من خلال الاصلاحات الاقتصادية و القانونية و السياسية، و نحن نتمنى الجدية و الاسراع في هذه الاصلاحات و ندعم هذا التوجه بشكل كامل، كما ندعم القيادة السورية في موقفها السياسي المشرف. ـ
نحن مع سوريا لأننا نقف في الجانب الصحيح من المعركة، لتخطو الانسانية خطوة كبيرة نحو مستقبل أفضل يتنصر على جشع الامبراطورية الامبريالية.
لجميع الرفاق تحية نضالية، و لننظر معا لغد آخر و مستقبل أكثر عدالة
 فراس محادين
19/كانون الثاني/2012