Monday, November 16, 2015

حياة في هافانا

كانت هناكَ، كما كانت منذ عقدين، أول الحبيباتِ ... ابنة الأربعة عشر عاما...  و كنت هناك و قد مرّ علي الزمن، بالندوب و ذقني البيضاء و ألم الاسنان اللعين، الذي اختفى فجأة حين كانت أمامي هناك ... في هافانا 

هل عبرتِ الزمن و البحر ؟ وددت سؤالها، ثم ترددت 

في هافانا لغة للوجوه ليس كمثلها شيء .. غادرت قهوتي مسرعا، مسرعا .. سبقتني مركبة عجوز، مهيبة أنيقة، من أربعينيات الأمس ... آلة الزمن .. كما يسميها ابناء هافانا ... اختطفت حافلة سياح المشهد .. ألم الاسنان مجددا

أتخيل جيوشا جرارة من عباقرة الميكانيك، للحفاظ على آلة الزمن ... سبقتني حافلة السياح و رأيتُ علم أمريكا على زجاجها الخلفي، تذكرت أسناني، ثم رأيتها .. هناك ... على المقعد الخلفي .. في المركبة العجوز

على الكورنيش، أمام الريفييرا .. وجدت أشنباخ* وحيدا، بقبعته البيضاء و كامل أصباغ الوجه .. جفل حين رآني و رحل ... استوقفته و صرخت: الى أين؟ 
الى البندقية ... أجاب دون أن ينظر الي و رفع ناحيتي اصبع يده الأوسط، و هو يحمل بيده الاخرى معطفه الابيض على كتفه

على الكورنيش، هافانا، اكتوبر 2015
سأبقى هنا .. صرخت وحيدا .. و ضحك .. وضحكت معه خمسة نساء كالأطفال، كانوا بانتظار الزبائن من السيّاح الجدد، اقتربت مني احداهن، أشرت لها نحو الخاتم في يدي اليسرى .. ابتسمت و تواطأت، و علّمتني درسا في الأخلاق .. و الأدب


المجد كل المجد للمومسات في هافانا .. للرقص و الإغنيات .. الغانيات... لعشاق الليل و موجِه المجنون ... 

المجد لوشم جيفارا على كتفٍ فقير .. المجد للمتعبين، الواثقين .. لرسائل الثوار على زنابق بيضاء .. للعاشقات ... لسرّ الأمهات ... للجنوب 
المجد للموسيقا على الاسفلت ... لابتسامةٍ عجوز تحت الشمس ...  لضحكة الجدات تهز الجدران المتعبة
المجد كل المجد .. و الحب .. الحب كلّه .. في هافانا 

فراس محادين، بيروت
16 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015



* أشنباخ: هو الشخصية الرئيسية في قصة "موت في البندقية" لـ توماس مان، و التي تحوّلت الى واحد من أهم الأفلام في تاريخ السينما لـ فيسكونتي ..  بنفس العنوان


No comments: