Tuesday, May 24, 2011

صناعة في غرفة الانعاش




فيلم لـ: فراس محادين




فيلم وثائقي قصير حول أزمة صناعة الأحذية في الأردن
(تمت صناعة الفيلم بلا ميزانية على الأطلاق)

سوبرماركت

فراس محادين
Nikon F80 35mm, 70-200 Macro Lense, Kodak Plus films
 السوق القديم في عمّان - من تصويري
لا اريد سوبرماركت بألوان تستحضر في ذاكرتي أحد الأفلام الأمريكيه (حتى و ان كان فيلم جيد) ... لا اريد خضارا وفواكه منمقة و موضوعة بافتعال شديد لتتوافق مع الوان العبوات البلاستيكيه هنا و هناك....
أفضل الذهاب لسوق شعبي ..حيث تتراكم كتل البندورة و الخيار و الكوسا هكذا اعتباطا في مشهد حقيقي بلا افتعال، و حيث يتوجب علي التحرك بين الباعة و اختيار السعر الأنسب و البضاعة الأفضل، و سأضطر كثيرا ان اتجاوز هذه المعايير و اشتري من احد الباعة الذي أصبح صديقا (و سأبذل المزيد من المجهود و أنا احاول اختيار أفضل الموجود)، و ربما سأحاول مازحا التفاوض معه للحصول على سعر أفضل، و ربما لن أنجح ... و لكن أنا واثق بأن هذه الصداقة و هذه العلاقة الانسانية (حتى و ان اختصرت ببضع دقائق كل اسبوع) تستحق هذا التنازل ...
ما زلت مفتتنا بالألوان العفوية لتلك الكتل الفوضوية من الخضار و الفواكه، و ذلك البائع الذي يضع "تفاحه" بعناية خاصة، و سأقف (كما كل مرة) لمراقبة أحدهم و هو يشتري التفاح لأبنائه و يفاوض البائع و ربما يتبادلان بعض النكات و الشكاوى، طبعا انا أعرف انه يقوم بالشراء لابنائه هكذا ببساطه، فهكذا هم الآباء، يمكن تمييزهم بسهولة، فهناك مسحة من الشدة و الحب سويا، تركيبة تصبغنا جميعا عندما نتحول لآباء، لربما بسبب التقاليد و المخزون، و ربما لصعوبة الحياة التي نمر بها ... و ربما بسبب الاثنين معا ... و في كل الأحوال ...سأتوقف عند هذا المشهد كل مرة ... ربما تطلعا للمستقبل ... أو للماضي ...ـ
ولم تتوقف دهشتي اطلاقا عند مشهد هذه الأسواق ليلا، خصوصا مع اسلاك اللمبات الصفراء المتوزعة بشكل عبثي تماما فوق الخضار و الفواكه، و تفاوت الضوء و الظل مع تلك الألوان المختلفه .. اصفر .. اخضر .. احمر .... و مع وجوه الباعة المتطلعة للعودة لمنازلهم ... و مع اقتراب نهاية يوم اخر من العمل ...
لا اريد سوبرماركت يبيع كل هذه الخضار لحساب شخص واحد... شخص خفي لا أراه ... يعطي القليل القليل من النقود مقابل الكثير الكثير من ساعات العمل للبائعين بملابسهم الموحدة و قبعاتهم (التي ربما تحمل وجها سعيدا) ... و تحتها وجه قارب على فقدان الملامح تماما !!!!
لا أريد سوبرماركت يحوي كل شيء في مكان واحد و يؤمن لك سلال على عجلات تضع فيها ما تريد، يوفر عليك كل الجهد، ويسهل عليك مراكمة المزيد من الوزن الزائد، ويغريك بالمزيد من الطعام َ!!! و ان اراد احدهم او احداهن الاحتفاظ بجسد رشيق فعليهم التوجه نحو أحد المراكز الرياضية حيث يقدم لك الات كهربائية لممارسة الرياضة و برنامج للتمارين و حمامات، كل شيء معد سلفا بما في ذلك الموسيقا و الذائقة ... و ربما سيقوم هؤلاء بشراء مستحضرات للحفاظ على الوزن أيضا ... من نفس السوبرماركت!!!
أنا لا أريد ذلك ... أريد ان امشي أكثر ... و أبذل المزيد من الجهد ... و أن استمتع بذلك السوق أكثر ... و ان اكل بكميات أقل (بما يتناسب مع مجهودي اليومي) ... و اريد ان ابحث عن الموسيقا بنفسي
لا أريد سوبرماركت ... حيث كل شيء معلب .. و مطابق للمواصفات !! .. لا أريد هذا الجو "العائلي" الهادئ ... حيث يمكن للجميع شراء "اشياء" لممارسة طقس جماعي... لتغذية طاقة الانسان التواقة للتطور و الحرية و تقديم"المهدئات" لها عبر "اشباع" زائف لهذه الحاجه، فيصبح حذاء على "الموضه" اشارة و فعل تطور و تحرر

لا اريد لأحدهم ان يمارس العمل الأكثر بدائية (و هو مراكمة المال و السلطة) تحت مسمى "الحداثة و التطور و الحرية"
حتى الحرية أصبحت معلبة ... فهناك علب بلاستيكية في منازلنا تحدثنا عن ماهية الحرية بالصوت و الصورة ... و اصبح الجميع يسمع و يرى وهو صاغر و موافق على كل ما يصله من تلك العلب و يمارس ما يسمى بالحرية تلك انصياعا و بلا قرار!!
انا اشعر بالحرية أكثر و انا اشتري النعناع من امرأة مسنة مصرة على الابتسام دائما ... اشعر بالحرية عندما اخلع حذائي و أمشي على الاسفلت حافيا ... أشعر بالحرية عندما احمل موقفا مكدرا للصفو العام (بحسب ادونيس) ...
انا اشعر بالحرية أكثر و انا اكتب هذه الكلمات ...و أخاف ان لا يكون ذلك أكثر من تنفيس لسخط وصل عندي مرحلة الثورة .... و أتمنى ان لا يقرأ هذه الكلمات من يمكن ان يقل سخطه بسبب هذه الكلمات أيضا !!!ـ





(ملاحظة: هذه الكلمات هي عبارة عن احتجاج معلن وليست تحليلا سياسيا أو خاطرة أدبية .. و هي نتيجة نقاشات مع الكثير من الرفاق و الأصدقاء ... و بخاصة الصديق محمد فرج و مقاله التحليلي المهم المعنون بـ "سلعة الحرية و لغة السلطة" على الرابط التالي:
http://alarabalyawm.batelco.jo/print.php?news_id=302855  )

Monday, May 16, 2011

الثورة بين التحرر و ازاحة الوعي

فراس محادين

ظاهرة الاحتجاجات العربية الجديدة ليست بلا مبررات، فهي نتيجة أزمة حقيقية تمتد من المحيط إلى الخليج، و هنا نتحدث عن حزمة متكاملة من الأزمات الداخلية والخارجية. الداخلية فيما يتعلق بإدارة الدولة وعلاقة الحاكم بالمحكوم و توزيع الثروة و السلطة وعلاقات الانتاج، والخارجية المتعلقة بموازين القوى ومسألة السيادة والموقف من القضايا المركزية (احتلال فلسطين والعراق)، ونستطيع الجزم تماما بأن هذه الأزمات هي السمة الثابته في جميع الدول العربية.
وفي سياق الأزمة كما أسلفت، فإن التحدث عن عدم استقرار هذه الأنظمة هو أمر واقع، و عدم الاستقرار هذا يعني بالضرورة أن هذه الأنظمة، مجتمعة وفرادى، قابلة لفقدان التوازن في أية لحظة.
وعندما بدأت شرارة هذه الاحتجاجات وعبرت عن نفسها من خلال خروج الآلاف من البشر في شوارع تونس، و امتدت باتجاه مصر في فترة قصيرة فقد سددت الجماهير العربية بذلك ضربة قوية لجميع هذه الأنظمة وأصبحت جميعها تترنح تحت تهديد الاحتجاج الشعبي وأصبح كل منها يدرك أنه يواجه مصيرا مشابها.
وهنا تستلزم الأشارة بأن هناك لاعبا مهما في المنطقة العربية (إلى جانب الأنظمة) وهو الإمبريالية و أدواتها، التي تعاملت مع الواقع العربي الجديد بتطويعه للحفاظ على مكتسبات القوى المهيمنة على الأنظمة العربية، ما اقتضى البحث عن الطريقة التي يستمر بها الإرتهان لهذه الهيمنة، مما خلق "الثورة المضادة".
ويمكن تعريف الثورة المضادة ببساطة بأنها تطويع حركة الاحتجاجات العربية وإزاحة الأزمة في الوعي العربي من مراكزها ومحركاتها الحقيقية (حزمة الأزمات الداخلية والخارجية) نحو بعض العناوين الجانبية التي قد تبدو كبيرة ولكنها في الحقيقة بعيدة كل البعد عن جذر المشكلة، ومن الأمثله عليها: تشخيص المشكلة في مصر بشخص حسني مبارك أو زين العابدين في تونس، أو التحدث عن الحريات و تمثلها في صناديق الإقتراع والابتعاد تماما عن فكرة الاستقلال الإقتصادي وأزمة صندوق النقد الدولي أو معاهدات السلام مع العدو الصهيوني أو الاستقلال عن الهيمنة الأمريكية... الخ. و استطاعت هذه القوى خلق الإزاحة بسبب ضعف القوى الوطنية وضعف تأثيرها في الشارع العربي مما نزع عن حركة الاحتجاجات بعد التحرر الوطني، وهو الذي كان السمة الرئيسية لها في البداية.
نحن نتحدث عن بوادر ثورة تحرر حقيقية في الشارع العربي، و نتحدث في الوقت نفسه عن ثورة مضادة تحركها مطابخ الإستخبارات الدولية ووكلائها المحليين. و كل من الثورة و الثورة المضادة تحمل مشروعان متضادان تماما كل منهما ينفي الآخر، فمشروع التحرر العربي يواجه مشروع الثورة المضادة الذي يتمثل في ما يسمى بـ "شرق أوسط جديد" تتم فيه إعادة ترتيب الأوراق بما يتناسب مع أمن الكيان الصهيوني وتأمين مصالح الولايات المتحدة في المنطقة لدعم مشروعها الكوني في السيطرة على العالم.
أما من ستكون له القدرة على الصمود؟ و من سيكون له القدرة على التأثير على الشارع أكثر؟ هنا نتحدث عن احتمالات مفتوحة و ستكون الإجابة لهذه الاسئلة مفتوحة للأيام المقبلة..

Thursday, May 12, 2011

أردن منزوع "الهوية" ـ

لفهم ملابسات انضمام الأردن لمجلس التعاون الخليجي يجب النظر ببساطة الى القوى السياسية و الأحداث و طبيعة المتغيرات في المنطقة...

بالنسبة لشبكة العلاقات السياسية في المنطقة فيمكن اختصارها كالاتي:

- ما يسمى بتيار الاعتدال العربي:السعودية (و باقي دول الخليج) – مصر – الأردن، و هو التيار المرتهن تماما للادارة الأمريكية، وهو إما متحالف مع الكيان الصهيوني بشكل علني أو من تحت الطاولة.

- تيار الممانعة: ايران – سوريا – حماس – حزب الله – القوى الشعبية (قومية و يسارية واسلامية ووطنية)، و هو التيار الذي يحاول البحث عن استقلال حقيقي عن التبعية لأمريكا و الكيان الصهيوني.

- تركيا الطامحة لدور اقليمي (كمركز سني) متحالف مع امريكا و الكيان الصهيوني من جهة، وتتحدث من جهة أخرى عن "تحرر" و عن دعمها لحق الشعب العربي في الحرية مع بعض البهارات (انتقادات للكيان الصهيوني و رحلات بحرية الى غزة .. الخ)

و يمكن التحدث عن المتغيرات الأساسية في النقاط التالية:

- الانتفاضة الشعبية في مصر و التغير في رأس السلطة و ما سيصاحبه من تغير في الأداء السياسي و ربما دور مصري جديد في المنطقه

- ما يسمى بالمصالحة الفلسطينية و أثرها على المنطقة

- الأحداث في سوريا

و كما نعرف جميعا، فهناك مخطط أمريكي قديم (متجدد) يسمى بـ "الشرق الأوسط الجديد"، و هو ما بشرت به رايس من قلب بيروت أثناء دك الطائرات الصهيونية للشوارع و البلدات اللبنانية، و لكن الصمود البطولي لحزب الله أفشل ذلك المخطط وقتها، مما استدعى تجديد هذا المخطط تبعا للظروف و المتغيرات، فقد أدى انتصار المقاومة اللبنانية المجيدة و صمود المقاومة الفلسطينية (حماس) ما بعد العدوان الصهيوني على غزة (وما بعد مؤامرة السلطة الفلسطينية عليها) الى اضطرار الادارة الأمريكية للبحث عن بدائل لمواجهة تزايد قوة و تأثير تيار الممانعة في المنطقه الذي توج بنزع الحريري عن رئاسة الوزراء في لبنان، و هو ما استدعى للبحث عن حليف قديم – جديد للعب دور جديد في المنطقة (تركيا).

و في عصر ما بعد الانتفاضة الشعبية في مصر، و البحث عن دور سياسي حقيقي لمصر، و في سياق القلق التركي من هذا الدور، و الذي ربما سيؤدي الى خلق بؤرة للتحرر العربي (خصوصا ان تحالف مع تيار الممانعة) مع الأخذ بعين الاعتبار التجارب السياسية التي يقوم بها المجلس العسكري الحالي في مصر للبحث عن دوره الإقليمي (تمرير البوارج الايرانيه، الضغط على السلطة الفلسطينية و حماس من أجل المصالحة، تفجير انابيب الغاز لوقف التصدير لاسرائيل ... و حتى التفاوض مع دبلوماسيين اسرائيليين ... الخ)، الذي يجبر الادارة الامريكية على البحث عن بدائل.

أما الأحداث في سوريا (بغض النظر عن الموقف منها) .. و لكن، اضعاف النظام السوري يؤدي بالضرورة الى اضعاف تيار الممانعة مما يضع على الطاوله خيار تعزيز دور الحليف الرئيسي للولايات المتحدة (السعودية)، و خلق قطب جديد في المنطقة ليلعب دورا في اعادة ترتيب المنطقة و تمرير ما يسمى بـ "الشرق أوسط الجديد"، و في الحقيقة لا يمكن انكار الدور السعودي كوكيل للولايات المتحدة في المنطقة، و لا يمكن انكار أولوية اسرائيل كصمام أمان أمني لمصالح العم سام في بلادنا...

طبعا على تركيا ان تحدد خياراتها في هذا السياق، إما الذهاب بعيدا و البحث عن تحالف اقليمي مع تيار الممانعة و القوى الجديدة الصاعدة (مصر)، أو البقاء على مسافة واحدة مع الجميع و بحث الخيارات الأمريكية (القديمة الجديدة) لها، و هو ربما ما يحدث الان بالنظر الى الموقف التركي من احداث سوريا، و هنا المسألة تعتمد على الرهان السياسي على الخيارات القابله للصمود و الخيارات القابلة للهزيمة. خصوصا مع المصالحة الفلسطينية التي ربما ستخرج حماس من دائرة الممانعة العربية ... طبعا الجميع ينتظر تطور الأحداث على أكثر من صعيد، و الجميع وضع نفسه في منطقة الرهان السياسي نفسها للحفاظ على خط الرجعة و فتح الأفق أمامه على حسب النتائج المختلفه للوضع السياسي.

و بالتالي، فإن التحركات لخلق دور اقليمي لمجلس التعاون الخليجي في مواجهة ايران في هذه اللحظة السياسية هو بالضرورة من أجل اضعاف تيار الممانعة لتمرير مشروع الشرق الأوسط الجديد، بحيث يكون لاسرائيل الدور العسكري و السياسي الرئيسي (للحفاظ على أمنها)، و ذلك يعني بالضرورة تمكين اسرائيل من حل القضية الفلسطينية من خلال مشروعها المعلن (مشروع الكونفدرالية)، و تحويل المحيط العربي الى كيانات هشه غير قادرة على أخذ زمام المبادرة و القرار السياسي.

و لذلك نقول أن من يحلم ببناء دول ديموقراطية ذات سيادة حقيقية خارج اطار الممانعة هو واهم، لأن المطروح هو الانبطاح للمشروع الأمريكي تماما، و بالتالي أية طموحات لأي مشروع خارج هذا السياق هو وهم أو عمالة.

أردنيا، الانضمام لمجلس التعاون الخليجي يعني بالضرورة الهرب من استحقاقات الاصلاح السياسي و الاقتصادي الحقيقية، و التأكيد على الخيارات الأمريكية، و لكنها هذه المرة تهدد الوجود الأردني نفسه، فمشروع الكونفدرالية يعني انتهاء مشروع الدولة لصالح الارتهان الكامل للمشرووع الامريكي ... وذلك من خلال رمي الهوية التاريخية للدولة بعرض الحائط، و فتح الأردن مرة أخرى لخيار المساعدات الخارجية.

و عليه، فإن الانضمام لمجلس التعاون الخليجي يعني التحرك في اتجاه اضعاف تيار الممانعة، وبالتالي تقوية الخيار الامريكي – الصهيوني، و هو ما سيفتح الباب و سيسهل تمرير المشاريع الصهيونية في المنطقة بلا "ممانعة" ... أي الذهاب مباشرة نحو الكونفدرالية