Friday, November 03, 2006

هستيريا جماعية

الكثيرون سمعوا عن الاحداث التي حصلت في القاهرة ايام العيد، و قد شهدت شخصيا هذه الاحداث في شارع طلعت حرب بالقرب من سينما مترو في منطقة وسط البلد...

و عندما كنت اشاهد ما يحصل في ذلك المكان، مرت بمخيلتي صور متلاحقة متذكرا احتفال مولد السيدة زينب (الليله الكبيره) لسبب ما كنت أجهله في البدايه.. و سيكون لاحقا الاساس الموضوعي لتحليل ما حدث على بوابات السينما في القاهرة ..
في البدايه سأقوم باضاءه بسيطه على ما حدث في الحالتين المذكورتين

  1. وسط البلد – ليلة العيد – سينما مترو – شارع طلعت حرب: اعداد كبيره من الناس محاطه بـ "اجواء احتفالية". التحرشات الجنسيه بدأت بشكل بسيط من قبل مجموعة صغيرة من الشبان، و بشكل تدريجي... ازداد عدد المشاركين في التحرشات ليصل العدد الى المئات... بعد ذلك تعرضت كل فتاة مرت في الشارع الى هذا النوع من التحرشات. و استمر الوضع لساعات حتى ما بعد منتصف الليل ....... هذا ما شهدته بنفسي، و قد سمعت اخبارا ان الوضع استمر لايام (فترة العيد)...
  2. منطقة السيدة زينب – مولد السيده زينب (الليله الكبيره): اجواء كرنفاليه (من اجمل ما شاهدت في حياتي). و اجواء روحانيه اقرب الى التصوف، اعداد هائله من البشر.و لكن في اكثر الاماكن ازدحاما (بجانب احدى بوابات مقام السيده) قامت مجموعه من الأشخاص بتشكيل شكل ما من الحلقات و أخذوا يدفعون المارة في الزحام... و من ثم تم تشكيل مجموعات (حلقات) اخرى، و تحولت المنطقة الى سلسلة من المجموعات الفوضويه التي دخلت في حاله من (الهستيريا الجماعية).


الهستيريا (Hysteria) هي خلل عقلي (مؤقت) يدخل فيه الشخص بسبب شدة التوتر او الخوف او الضغط النفسي حيث يفقد الانسان القدرة على التحكم في الافعال و ردود الافعال على الظروف المحيطة
.أما الهستيريا الجماعيه (
Collective hysteria) فهو مصطلح في علم الاجتماع يصف دخول مجموعات من البشر في حالة هستيريا جماعيه و تتحدد معالم هذا الاضطراب من خلال المنظومه الثقافيه لهذه المجاميع.

هذه الطقوس او الانفجارات النفسيه هنا و هناك ما هي الا مؤشر على الاشكالات الحقيقيه في المجمتمع العربي، حيث تتم الاستعانه بـ آليات دفاعيه (defense mechanism) و ذلك من خلال استحضار ثنائية الحاكم – المحكوم (الاضطهاد، القهر، القمع، الفقر، ..الخ). و استعادة الضحية ذاتها اما من خلال كونها مضطهد (بكسر الهاء) او من خلال اعادة تشكيلها كطرف يقبل دور الضحيه .
ففي احداث وسط البلد، قامت مجموعات الشباب بالاعتداء الجنسي على الفتيات بشكل جماعي، و تشخص هذه الحالة بـ الهجوم على الكبش (attacking scapegoats) حيث قامت هذه المجموعات باستحضار نفسها على أنها تقوم بفعل القمع و اضطهاد الآخر، سيطرة الأنا الدنيا مقابل انعدام وزن جماعي ( في تعبيرات عن انحطاط اخلاقي و اختلال في اليات المجتمع). أما في حالة (الليله الكبيره) فقد قامت الجموع بما يسمى (ايذاء النفس) و ايذاء الآخر في نفس الوقت معا. و هو تعبير يدل على يأس جماعي و اختناق عبر عن نفسه من خلال طقوس روحانيه ليعيد انتاج نفسه باشكال مرضيه عصابيه.

السبب الرئيسي لما يحدث في مصر هو المعادله الحاليه التي تحكمها، بدءا من ما يسمى بـ"التطور الرأسمالي" ممتزجا بفساد شديد مع قمع الحريات. فقد تحطمت تماما كل اشكال الطبقة الوسطى، و تم تهميش الانسان تماما، حيث لا ارادة سياسيه تحت وطأة ظروف اقتصاديه ضاغطة الى الحد الاقصى.الخطورة هنا ان هذه الاشكال الانفجاريه لا يمكن التحكم بها و لا حتى توظيفها لتحسين الظروف السائدة المذكورة سابقا..... ففي ظل غياب حركات سياسيه و شعبيه قادرة على التفاعل مع الشارع و تحويل مطالبه الى حركات سياسيه حقيقيه، فالقادم هو الفوضى، و أشكال هستيريه اكثر عنفا و تطرفا.